كتابة الرسائل في العصور الوسطى (إنجلترا)

1)    أرسلها للناسخ الخاص بك:

كان الناس في القرن الخامس عشر الميلادي يكتبون الرسائل لأسباب عديدة , التحدي الأول لكتابتها هو إيجاد الورق, ولعلنا نتشارك سوياً في نفس المواضيع التي نتداولها اليوم,الرجال والنساء يتراسلون الرسائل العاطفية وتتم من خلال الكثير من الرسائل مناقشة النزاعات القانونية عن طريق محامييها وعن شراء أوبيع المنازل يتحدث مالكوا العقارات.

كان من ضمن التصنيفات الخاصة بخدمة البلاط الملكي مهنة كاتب الرسائل وكانت النساء يُعرفن بكونهن مرسلات ومستقبلات للرسائل, على سبيل المثال يوجد هنالك حوالي 60 رسالة أُرسلت من مارغريت باتسون إلى زوجها المحامي جون والتي شائت الأقدار أن تأخذه بعيداً إلى لندن بسبب عقد عمل أتيح له, التراسل فيما بينهما كان من الممكن تصنيفه ضمن الأمور العادية و أحياناً أخرى غير عادية, في إحدى الرسائل التي أرسلت عام 1448م مارجريت تلح على جون ارسال نشابة حتى يقموا بحمايتهم من بعض اللصوص في الحي حيث ذكرت انه قد تم سرقة حانة من قبل جماعة كبيرة دون أن يغيب عن ذكرها أن هذه الحانة تقع مقابل منزلهم, وفي أحدى الرسائل تذكر ايضاً بانه يجب عليه ارسال لها وللأولاد المؤونة اللازمة كالسكر,واللوز, والملابس.

غالباً مايقوم الأشخاص بكتابة رسائلهم بنفسهم خصوصاً أن كانوا تجاراً أو من الطبقة الدنيا في المجتمع, إلا انه في بعض الأحيان يفضل الأستعانة بالخدم في عملية الكتابة خصوصاً من نساء الطبقة الأرستقراطية واللذين بطبيعة الحال نادراً ماوضعن قلماً على ورقة,لأنهم ببساطة كانوا لايرون بضرورة كتابة الرسائل كدليل على موثوقية الرسالة.

وقد شارفت مهنة الكاتب الخاص على الزوال في نهاية القرن الخامس عشر لكن قبل هذا كانت الطريقة المثلى. عندما ينتهي الكاتب من الكتابة أن يقوم بتجفيف الحبر من خلال طريقة سريعة وهي نثر الرماد على الورقة ثم طيها مع وضع ختم شمعي.

 المدونة 1

2)    بإيجادك المراسل (الرسول) أنت حتماً على الطريق الصحيح:

بمجرد كتابة العنوان على خلفية الرسالة أصبحت مستعدة لبدء رحلتها.

بالرغم من أن الرسائل أصبحت تجوب إنجلترا عدة مرات لكن ظلت التعاملات البريدية من غير نظام مصدق عليه يتحكم بها كما نسمع عنها اليوم,التطور الوحيد الذي شهدته النظم البريدية كان في عام 1512م عندما عيّن الأستاذ براين تك رئيساً لها.

في القرن الذي سبق تلك الإجراءات التنظيمية كانت هناللك ثلاثة طرق رئيسية لإرسال رسالتك,أولها بواسطة خادمك الخاص والأخرى عن طريق مراسل (رسول) مدفوع ثمن أتعابه,وآخرها بواسطة حامل العربات والذي يجوب البلاد حاملاً أحمالاً ثقيلة على عربته. الخادم الخاص كانت الطريقة المثلى والأقل تكلفة من بينهم لكن لم يكن من السهل إيجاد خادم احتياطي يقوم برحلة طويلة يترتب عليها تأخير بعض الأعمال في المنزل ولذلك الدفع لرسول أو حامل عربة كان أكثر ملائمة وسرعة خصوصاً أن كان كثير الترحال, على أي حال كان من الصعب احياناً إيجاد مراسل في الوقت المناسب ونتيجة لهذا كانت تحجب الرسائل لفترة حتى يتوفر رسول ليتم رحلتها. في عام 1448م كتب أجير السير جون فاستولف ليعبر عن آسفه في تأخره عن الرد لسيده قائلاً ” لو كنت قد أستطعت إيجاد رسول إلى لندن قبل عيد الميلاد كان بالإمكان إرسال الرسالة”

3)    حماية الرسائل من الأعداء:

“أٌفضل أن تحترق الرسالة على أن أضيعها”

كُتبت بواسطة الخادم الشخصي للسير جون فاستولف.لماذا وصل لهذا الأستنتاج؟

خلال القرن الخامس عشر في إنجلترا كانت المنطقة تعصف بالمخاطر والصعوبات من أجل أن تقطع رسالة رحلتها إلى المكان المنشود خصوصاً إذا كانت تحتوي على معلومات هامة وشخصية.الكُتاب في العصور الوسطى ظلوا خائفين من الأعداء المتربصين من أن يسرقوا رسائلهم ويحولونها كأدلة ضدهم وبالتحديد في المواضيع القانونية.نفس الخادم الشخصي الذي ذُكرت كلماته في الأعلى اقتبس جملة عن اللاتينية تعبر عن اهتمامه الشديد:

Ne Forte videmnt Romani

وترجمته “خشيت أن يحدث,يجب على الروماني الحذر”

لقد كانت نية الأذى و الإضرار تهدد الرسائل الخطية في القرن الخامس عشر الميلادي حتى مع وجود رحالة ممتازون يحملون الرسائل كان هناك احتمالية ضياعها.سوء الحظ هذا حصل لوالتر باستون في عام 1479م أحدى رسائله اخطأت في الذهاب إلى لندن مع أموال أرسلت الى العاصمة لتخزينها, باستون في مرة لاحقة فسر سبب هذه الخطأ “كان لدى الأستاذ بروان الكثير من الأموال في حقيبته وفي نفس الوقت كانت توجد رسالتي في الحقيبة وقد نسي بروان أن يخرج الرسالة بعد أن قام بتوصيل الأموال إلى لندن”

 المدونة 2

4)حاول تتبع مستقبل الرسالة:

في حال تم وصول الرسالة بسلام الى نقطتها النهائية تتوالد مشاعر من التوتر لدى الرسول خوفاً من عدم وجود متلقي الرسالة في العنوان الذي دُون له. وكما هو الحال معروف في العصور الوسطى فأن ملاك المنازل عادةً ما يتنقلون من منزل الى آخر بشكل منتظم, لاتوجد أية ضمانات على وجود مستقبل للرسالة في المنزل حال وصول الرسول (المراسل).

في إحدى الرسائل التي كتبت في عام 1450م وكانت موجهة لقسيس كاستير في بلدة نورفولك ذهبت الرسالة في الرحلة لثلاث مرات متعاقبة , وإذا كان وصول الرسول في الوقت الغير المناسب فعليه الأنتظار لوقت طويل لحين أن يظهر المتلقي.

الرسول الذي كٌلف بحمل رسالة لويليام ستونور إلى منطقة أوكسفورد كتب قائلاً: “لقد حاولت إيصال الرسالة لكن متلقي الرسالة لم يكن موجوداً في المنزل” وأوضح للسيد ستونور بأنه سيحاول مرة أخرى قائلاً:  ” جون تشيني خارج للصيد في حال عودته سأقوم بإيصال رسالتك”

5)أخبار سيئة؟ لاتقتل الرسول:

إذن أخيراً قام الرسول بإيصال رسالتك,لكن ليس بعد لن تقف المهمة عند هذا الحد. في بعض الأحيان يكلف الرسول بإيصال رسالة شفهية كما في بعض الحالات التي يساء فيها فهم محتويات الرسالة من قبل المتلقي, ففي هذه الحالة عليه التصرف كدبلوماسي.

في عام 1449م ارسلت عائلة باتسون خادمة شخصية إلى رجل قام بأخذ أحدى ممتلكاتهم بالإجبار, حيث لايتوفر خادم قادر على القيام بهذه المهمة الصعبة. وفي هذه الحالة البالغة الخطورة وجب على العائلة دفع حصة أرباح لهذه المرأة (الخادمة) وقد أخبرت فيما بعد أنها أسُتقبلت بلطافة ورحابة صدر واستمع الرجل إلى رسالتها بلباقة (قبل ذلك أُرسل خادم أخبرهم بأنه لم يتلقى الترحيب الملائم).

6)أحرق الرسالة بعد قرائتها:

بعض الأوامر قد أعُطيت من قبل كاتبي الرسائل بوجوب حرق الرسالة بعد أن تتم عملية القراءة, وآخرون كانوا يقومون بوضع المعلومات الحساسة والمهمة في أسفل الورقة لأنه من المتوقع أن يتم إتلافها والتخلص منها.

كل من هاتين الطريقتين صممت حتى تقيد عملية الوصول للمعلومات المهمة, على أي حال هنالك بعض الرسائل الناجية التي أوصلتنا إلى نتيجة حتمية وهي أن الأوامر بعضها لاينفذ فيظهر لنا أن الرغبة في إخفاء المعلومات السرية تعادل في مقابلها الرغبة في إمساك أدلة على أشخاص فبالتالي تُفشى أسرارهم من خلال من أؤتمنوا عليها.

السير جون فاستولف عمد على إنشاء أرشيف خاص في قصره حيث أمر الخدم بتنفيذه لتنظيم الرسائل والوثائق, وعملية الأرشفة والتخزين كما هو عليه الحال هذه الأيام عملية صعبة ومعقدة, فبمجرد ما ان تم تخزين تلك الرسائل والوثائق من قبل الخدم صَعُب عليهم استعادتها حتى أن ابن زوجة السير اشتكى من عدم قدرته على الوصول لبعض الوثائق قائلاً: “ولاحتى الرجل الذي قام بترتيبها”.

في أفضل الأحوال قام هذا النظام السيء في الأرشفة والتخزين بمساعدتنا في عصرنا الحاضر للوصول لتلك الرسائل بدل أن تتلف أو تحرق, رسائل تخبرنا عن كيفية عيش أولئك الناس في العصور الوسطى (العصور المبهرة).

نشر بواسطة مجلة BBC History Magazine

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s