الشاي

هذه المقالة جزء من سلسلة مقالات مترجمة تلقي الضوء على موارد طبيعية غيرت من شكل الحياة

gettyimages-163448922-594x594

British tea plantation with owners and workers posing in front of a bungalow, India 1880s. (Photo by Mansell/The LIFE Picture Collection via Getty Images)

 

في شهر يونيو من العام 1667 كان صموئيل بيبيس قد عاد لمنزله ليجد زوجته تقوم بتحضير مشروب ساخن معد مع أوراق مجففة من نبتة تدعى كاميليا سينينسيس، كل ذلك الأمر تم بناءً على وصفة أوصاها بها الصيدلي، ذلك المشروب المهدئ عرف فيما بعد بالشاي. تم التعرف على الشاي في أوروبا عن طريق تجار شركة الهند الشرقية، ففي أثناء رحلاتهم من أجل الأتجار بالفلافل في أقصى الشرق، ظلوا مستمتعين بشرب مشروب عشبي يوفر لهم الراحة اللازمة بعد عناء الترحال. اعتبر العديد منهم ذلك المشروب الصيني الجديد كدواء ولم يدخل بعد في قائمة الإفطار اليومية مثل القهوة والشوكولاتة الساخنة. لكن مع مرور الوقت أصبح المشروب الأكثر استهلاكًا في المستعمرات.

السبب الرئيسي وراء اشتهار شرب الشاي في بريطانيا هو العادة المرتبطة بالشرب لديهم فيمكن اعتباره كنوع من الانضباط بطريقة مقبولة، وطريقة سهلة لإستهلاك السكر معه، والذي بدوره شهد صعودًا كبيرًا في كميات استهلاكه في ذلك الوقت. بين القرنين السابع عشر والثامن عشر تم ارتفاع استهلاك المنتجين السكر والشاي بالترادف، وأصبح الشاي المحلى هو الأختيار الأول من المشروبات للعديد من أفراد المجتمع من السادة النبلاء إلى العاملين البسطاء.

استهجن الفقراء هذه العادة الجديدة في البداية واعتبروها تبديدًا للأموال وعلامة واضحة من علامات التبذير، ناهيك بأنها تساهم في زيادة فقرهم، لكن مع مرور الوقت وإذا علمنا بأنه لم يكن باستطاعتهم تحمل قيمة الوقود من أجل طبخ وجباتهم ولا  تكاليف مشروب البيرة المحبب لهم اضطروا للتحول إلى بديل أرخص وكان الشاي الخيار الأمثل في هذه الحالة. وبناء على ذلك من الممكن اعتبار الشاي المحلى المحرك الأساسي للثورة الصناعية في بريطانيا. 

في الربع الثالث من القرن الثامن عشر وبفضل احتياج بريطانيا للشاي أصبحت هذه السلعة الأكثر طلبًا من قبل المستهلكين مما أدى إلى الحاجة من أجل عمل توازن  في الصادرات والواردات بينها وبين الصين فقامت بريطانيا وعن طريق ممثلتها شركة الهند الشرقية ببدأ خلق تجارة الأفيون مع الصين، التجارة التي اعتبرت غير نزيهة، فقد تم زراعة هذا العقار في الأراضي التابعة للمستعمرات البريطانية في الهند ومن ثم تصديره للصين ومقاضاته بالشاي . لم يكتف البريطانيون بهذا   فقد استخدموا القوة مع الصين لفتح موانئها من أجل التجارة الحرة مع إجبار سكان الهند على زراعة الأفيون من أجل تصديره للصين مما ساهم في رفع معدلات الإدمان بين المواطنين ليتم تحويل الصين لبلد مليء بالمدمنين. في الحقيقة أصبحت عادة تدخين الأفيون منتشرة بين فقراء الصين كما هو الحال مع فقراء بريطانيا مع شرب الشاي، فالكل يبحث عن تلك الرغبة. لكن ظلت الحكومة الصينية تشيطن الأفيون باعتبارها تذكيرًا لإهانة الصينيين من قِبل قوى الأستعمار الأجنبية وبالتالي تحريم هذه السلعة لكن تم إكمال تهريبها من قِبل بريطانيا.

في وقت لاحق، أصبح المشروب الصيني أحد رموز الوجاهة البريطانية، فقد قام المستكشفون و المستعمرين الأوائل بالانتقال للغابات والأراضي الزراعية الكبيرة  الجديدة يحملون معهم العديد من الحاجيات الموضوعة في أكياس ضخمة، جزء لا بأس منه كان مخصص لتلك الأوراق المجففة (الشاي)، وهناك قاموا بتعريف الناس والسكان الأصليين في تلك المناطق على هذه العادة الجديدة في محاولة منهم لإكسابهم هذه المهارة، غالبيتهم كانوا في الأراضي الاسترالية والكندية.

 أحد هؤلاء المستعمرين الأوائل هو جون وليامز، عمل كمبشر في القرن التاسع عشر في جزر جنوب المحيط الهادي،يذكر لنا بأن أول خطوة لعمل حوار مع السكان الأصليين كان من خلال تأسيس عادات حضارية مثل شرب الشاي وبتفصيل أكثر يقول وليامز “عندما يصبح لديهم شاي سيرغبون بالسكر ومن ثم بأكواب الشاي وطاولة تحمل تلك الأكواب و لتكتمل العدة حتمًا سيقومون بشراء المقاعد”. والرغبة الشديدة لشراء تلك البضائع ستحفزهم للعمل حتى يستطيعوا امتلاك النقود اللازمة. وبهذه الطريقة نجد أن الشاي كان الطعم لجذب السكان الأصليين للاقتصاد الرأسمالي.

في بداية القرن التاسع عشر قامت شركة الهند الشرقية بالبحث عن أماكن أكثر آمانًا لأنتاج سلعتها الأكثر ربحًا، ووقع الأختيار على زرعها في الهند، في هذه الأثناء تم تحويل عملية إنتاج الشاي من حرفة إلى صناعة،وتم التعاقد مع عمال بأجور معينة من أجل التشغيل، أولئك العمال لم يعيشوا في ظروف طبيعية فالعصابات تحيط بمصانع إنتاج الشاي مهددةً بذلك حياتهم. ومع مرور السنوات خسرت الصين مكانتها في تصدير الشاي إلى بريطانيا لصالح الهند وسيرلانكا وشرق أفريقيا والذي أُسس في تلك الأماكن من قِبل المستعمر الأبيض أيضًا. 

إذا تحدثنا قليلًا عن تأثير الشاي على البلاد المصدرة له كالهند، يمكننا ذكر أن الهنود اعتبروها عادة غربية دخيلة، وكنوع من المبادرة لترغيب الشعب بها قامت الشركة الهندية للشاي بدخول السوق عن طريق أفكار إبداعية فتم وضع كشكات لبيع الشاي داخل المكاتب الحكومية والمصانع وتم تحويل سكك القطارات وتخصيصها لعربات نقل الشاي. وأصبحت محلات بيع الشاي متواجدة في كل مكان وأصبحت منطقة التقاء للمواطنين الهنود من مختلف الطوائف والعقائد لقراءة الصحف وعقد مناقشات سياسية كل ذلك يأتي تزامنًا مع شربهم لكأس من الشاي الممزوج بالحليب.

 لم يأتي القرن العشرين إلا وكان قد بنى الشاي أواصر ترابط بين العديد من شعوب العالم، حتى أصبح عادة يتبعها الكثير من الناس في مختلف أنحاء المعمورة.

 


 

*هذه المقالة نشرت في مجلة BBC World Histories العدد التاسع، لتصفح وشراء العدد هنا

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s