الذهب

هذه المقالة جزء من سلسلة مقالات مترجمة تلقي الضوء على موارد طبيعية غيرت من شكل الحياة

img_1221

لعدة قرون كان الذهب عاملًا أساسيًا في الحضارة البشرية، فمن من مصدر إلهام للشعوب القديمة إلى لاعب أساسي في تطوير الاقتصاد العالمي. ظهرت أول عملة معدنية في القرن السابع قبل الميلاد في البلاد التي تعرف حاليًا بتركيا، وتم صنعها بواسطة الذهب. واستعمل سكان أمريكا الأصليون هذا المعدن منذ أكثر من عشرة آلاف سنة قبل الميلاد في أعمالهم الفنية، آلهة الشمس إنتي هي الراعي الإلهي لحضارة الإنكا وتستمد قوتها من الذهب. 

اللحظة المفصلية للذهب كانت عندما تم اكتشاف الأراضي الجديدة من قِبل الإسبان. في القرن السادس عشر قدم الغزاة إلى الأراضي الأمريكية بحثًا عن الثراء والسيطرة، رجال مثل فرانشيسكو بيزارو وايرنان كورتيز صنعوا مجدهم الشخصي بابعادهم للقادة المحليين كأتاوالبا من الإنكا و مونتيزوما من الأزتك. تدفق الذهب على أسبانيا واستفادت العائلة الحاكمة هابسبورغ من قانون الضريبة المفروض والمعروف بمسمى (Quinto Real) أي يتم اقتطاع 20% من قيمة الأوقية الواحدة المستوردة عن طريق أشبيلية أي ما يعادل الخمس. 

هذا الثراء السريع أحدث الكثير من التأثيرات الإيجابية منها مثلًا بث الدافع والحافز للتجارة بشكل أكبر، ومن الصدف الرائعة أن ثروة أسبانيا الجديدة تزامنت مع النقلات الكبيرة في الاستراتيجيات العسكرية والتي تتطلب معدات ثمينة لتنفيذها. من جهة أخرى كان هنالك بعض المردود السيئ من وراء الثروة القادمة من الذهب، فأسبانيا أصبحت غنية ورغبة مواطنيها في امتلاك الذهب أصبحت إدمانًا،في المقابل تم ارتفاع أسعار المعدات القتالية كل هذا يعني رفع الحاجة لاقتراض الأموال لمعادلة التكاليف، ومع افتقار البنك المركزي للأموال، أصبحت تكلفة الاقتراض مرتفعة حتى أوشكت الحكومة على الإفلاس. هذه الدلائل ترشدنا إلى أن إسبانيا لم تستفد من الثروة المقدمة لها من الذهب كما يجب. في الوقت ذاته أستفادت الأنظمة البنكية في هولندا وانكلترا من سعر الفائدة الإسبانية لتضع قيمة أقل عند الاقتراض وبسرعة أصبحت لندن مركزًا لسوق الذهب والأنشطة الاقتصادية، ومع حلول القرن التاسع عشر أصبح بنك إنجلترا ضامن الاستقرار للأسواق الأقتصادية العالمية.

المعيار الذهبي (والتي أصبحت نظامًا مهجورًا في أيامنا الحالية) هو نظام لتسعير العملة، يستبدل فيه الذهب بالأوراق النقدية فالأوقية الواحدة من الذهب تعادل 3.17 شيلينغ و 10.5 بينيس، وإذا تخطينا الزمن سريعًا حتى نصل لعالم متأزم من قيام حربين أثرت كثيرًا في معدلات النمو الاقتصادي، ظل الذهب عاملًا مهمًا فتم عقد مؤتمر بريتون وودز في وقت كانت ما تزال فيه الحرب العالمية الثانية مشتعلة. تم اجتماع ممثلين عن 44 دولة أرادوا من خلال هذا المؤتمر تطوير النظام النقدي الدولي كل ذلك من أجل ضمان استقرار سعر الصرف. استطاع المجتمعون الاتفاق على تحويل الذهب إلى الدولار وتثبيت سعره عند 35 دولارًا للأوقية الواحدة، والأمر أيضًا بالنسبة للعملات الأخرى (الفرنك الفرنسي و الباوند البريطاني) فجميعهم كانوا على معرفة بتفوق عملة الدولار ورفضهم التام تعويم العملات وتفضيلهم استقرار الذهب.

وصلت هذه الاتفاقية إلى نقطة النهاية في العام 1971 عندما أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار الأمريكي إلى الذهب، ومع هذا القرار أنتهت علاقة دامت لسنين طويلة بين الذهب والعملات النقدية. منذ تلك اللحظة تم ارتفاع سعر الذهب مقابل الدولار حيث بلغ سعره عند كتابة هذا المقال أي أواخر فبراير 2018 أكثر من 1300 دولار للأوقية الواحدة أي بحدود 37 ضعفًا عما كان عليه الحال عند انعقاد مؤتمر بريتون وودز في العام 1944. تلك الزيادة الكبيرة توضح القيمة العالية للذهب فمنذ العصور القديمة ظل حاميًا لشعوب مكتشفينه ومازالت إلى وقتنا الحاضر. 


 

*هذه المقالة نشرت في مجلة BBC World Histories العدد التاسع، لتصفح وشراء العدد هنا

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s