أحلام اليقظة 2: محاكمة كولومبوس

تفضل سيد كولومبوس بإمكانك الرد على الاتهامات الموجهة إليك من قِبل المواطنين والذين يؤمنون بضرورة معاقبتك على الأفعال التي تفتخر بها وتعتقد، على حسب زعمك، بوجوب تقديرها نظرًا لأهميتها في تغير شكل العالم والذي شكل إلى حد ما العالم الذي نعيش فيه اليوم.

شكرًا لك سيدي القاضي أود أن أبدأ كلامي بذكر موجز عن الأوضاع التي كنا نعيشها في تلك الأيام، فكما تعلمون لم نكن بعد نعلم شكل العالم، حدودنا مختصرة في قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا. ولدت مع غريزة حب الاكتشاف والمغامرة فعائلتي قدِمت من خلفية بحرية وتتخذ من مدينة جنوه الساحلية موطنًا لها، في السفن كان خيالي الدائم، وواقعي الحتمي لم أتخيل نفسي دونها. عشنا في أوروبا تلك الأيام عصرًا زاخرًا بالعلوم والمعرفة، الأموال زادت وأصبح علية القوم ممن يملكونها يحرصون كثيرًا على صرفها في اكتشافات واختراعات تكون موضع يقين لا شك. فمثل هذه الفرص لا تتكرر دائمًا ويجب عليك اقتناصها وإلا ندمت على ذلك بقية حياتك. أعتبر نفسي محظوظًا كوني حظيت بلقاء الملكة إيزابيلا والملك فرديناند، ويبدو أن حماسهم مع استعادة الحكم على أراضي شبه الجزيرة الأيبيرية أطلق العنان لتوسيع حدودها خارج البلد الصغير، وهذا السبب جعل فكرتي المتواضعة بإمكانية وصولنا لآسيا من الغرب لا كما أعتدنا عليه باتخاذ الشرق وجهةً لنا، حماسية للملكين الشابين. فإذا نجحت الخطة سنختصر على نفسنا الطريق مع جعل ذلك الأكتشاف مخصص للتجارة الإسبانية وتبادل ما نملكه من خيرات مع بلاد الهند، لكن أسمعكم تتحدثون عن قارة تدعى أميركا وتؤكدون لي أنها الأرض التي وطئت قدماي ترابها. غريب فأنا متأكد جدًا، وقلما أخطأ في أمور كهذه، أن الأرض التي وطأت عليها كانت تابعة للقارة الآسيوية ولو كنت أطلت التوغل غربًا لوجدت تلك القبائل الصينية لكن للأسف لم أستطع الإكمال. 

سيدي القاضي المتهم يتحدث بإسهاب عن نفسه، من ذكر له أن المحاكمة أقيمت من أجل أن يتفضل علينا بالحديث عن إنجازاته وذكر مناقبه، نحن هنا لأن الجميع مؤمن بالجريمة الكبرى التي أرتكبها ذلك الشخص والتي تسببت في مأساة العديد من البشر من السكان الأصليين أو من العبيد الذين تم جلبهم للبلاد، ألم يرى تلك الحشود الغاضبة والتي قامت بتلطيخ التمثال الخاص به، الجميع بلا إستثناء يريدون رؤية هذا المجرم ينال عقوبته و ليشفي غليل كل من ذاق الظلم من ورائه، ألا يرى عدم وجود أحد حوله، لم يُقدِم أي شخص على التجرأ للدفاع عنه كمحامي خاص به يجب أن يستشعر كل هذا ويكفر عن ذنوبه. ثم أن تأكيده على أن الأرض التي وطأها هي تابعة لقارة آسيا كان المقصد من ورائه حتى ينال مكافآة الملك والملكة لأن الجائزة ظلت مرهونة بتحقيق تلك الغاية، وأجبرت البحارة ممن كانوا معك على عدم البوح بأن ما تم اكتشافه لا يمت بأي صلة للقارة الآسيوية وأن فعلوا فسوف يتم قطع ألسنتهم.

الرجاء التزام الهدوء وعدم المقاطعة فما زال لدى المتهم الحق في الإدلاء بشهادته أكمل حديثك سيد كولومبوس،  حسنًا في البدء عندما بدأت رحلة اكتشافي كان هدفي تصحيح مفهوم خاطئ أعتقده أسلافنا لوقت طويل، فقد ظلت شعوبنا  لقرون عديدة معتقدة بإيمان بالغ بصحة قياسات العالم إراتوثينس لمحيط الأرض، قد كانت لدي شكوكي بأن المسافة التي قدرها هي أقل مما تنبأ به وأنه يمكن بلوغ قارة آسيا خلال بضعة أيام وقد اتفق معي في هذا الشأن صديقي العالم الفلكي أنتونيو مارشينا. أما بالنسبة للسكان الأصليين فقد تحدثت دومًا عنهم بأنهم بشر بريئون وغير عدائيون، لم يعرفوا الحروب ولم يفسدهم الجشع المادي وبهذا آمنت بأنهم مؤهلين للتبشير بالمسيحية حتى يتسنى لي إخراجهم من الجهل. 

ما هذا الهراء من أدعيت أنهم مسالمون وتريد أن تخرجهم من جهلم أخذتهم كعبيد حتى يتسنى لك المتاجرة بهم فتخرج بأقل الخسائر من رحلتك خصوصًا بعد عدم اكتشافك لأي من الثروات الطبيعية الخارقة والتي كان من شأنها نقلك لعالم آخر أردت دومًا الانضمام له.

أرجو منك عدم مقاطعتي مازلت أواصل الحديث حتى أرد على اتهاماتكم المجحفة بحقي، فقد كنت وحيدًا في أرض جديدة ومع أناس ظننت أنهم أصدقائي وظلوا طوال الوقت يكيدون الخطط ضدي، فقد هرب مساعدي مارتين بينزون رغبةً منه في البحث عن ربح خاص، دون أن أغفل عن سكان محليين يتحدثون فيما بينهم بلغة غريبة وأرقب نظراتهم التي تصيبني أحيانًا بالشك فربما يكونون من آكلي لحوم البشر أو ممن يقدموننا لهم، فقد رويت أحاديث كثيرة عن وجودهم في تلك الأماكن. أصبح عقلي مشوشًا ومضطربًا فقد وكلتُ بمهام كبيرة تتعلق بإكتشاف سيغير حتمًا مجرى التاريخ، وحتى أثبت صحة ادعائاتي فقد واجهت عاصفة لم يشهد عليها أحد، رياح من المستحيل الخروج منها سالمًا، لكن المعجزة حدثت ونجوت وسفينتي وبحارتي منها دون أدنى ضرر علام يدل هذا إلا يدل على أن الرب قد اختارني لمهمة تسمو بالبشرية. ولنتخيل معًا أنِ لم أصل لتلك البقعة الجدية من العالم وبالتالي لم يتجرأ بعدي المهاجرون الأوربيون ليقدموا على خوض مغامراتهم على هذه الأرض هل كان من الممكن أن نرى هذا الصرح الذي نقيم فيه تلك المحاكمة؟ هل من الممكن أن تصبح على ما أنت عليه الآن لو لم يحدث ما حدث؟ أجبني.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s