الهروب إلى الأمام

في صباح يوم الأحد 13 من سبتمبر تعرضت لأول حادث سيارة، كان قد تم اقتناؤها قبل شهرين تقريبًا ومعها بدأت الرحلات في شوارع المدينة. إذا أردت أن أعرج على تفاصيل الحادث فلن تكون طويلة مجرد اصطدام بالسيارة التي أمامي بعد توقفها المفاجئ عند المخرج، حمدًا لله لم تكن ساعة ذروة فعدد السيارات المتواجدة لم يكن بتلك الكثرة فنتج عنها مسافات متباعدة حمت السيارات الأخرى من التصادم المتتالي، وإلا كانت النتائج لتكون أعظم، صدمة من الأمام وصدمة أخرى من الخلف. كانت تلك اللحظة التي ارتطمت بها سيارتي السيارة الأخرى متوقعة ومحسوسة من قبل أن تحدث فلم تصبح من النوع المباغت أو المفاجئ والتي ينتج عنها هلع شديد. تعاملت مع الموقف سريعًا فلم يتم استدعاء نجم وايقاع اللوم على أحدنا، أردت أن أنهي الموضوع بأسرع وقت ممكن، تم قيادة السيارة بعدها للعودة للمنزل وكان مشوارًا اعتياديًا لم ينتج عنه غرابة في قيادتي أو في السيارة نفسها رغم شكلها الخارجي الغريب ولم أكن على عجلة من أمري حيث توقفت عند صيدلية في الطريق لشراء بعض الحاجيات غير الضرورية. بعد الوصول لم أخبر أحد عما حدث صعدت إلى غرفتي لأعود لبعض الأمور الاعتيادية، اتصلت أمي بعد ساعتين لتخبرني عما حدث للسيارة حيث شاهدتها عند ذهابها للسوبر ماركت، صوتها كان قلقًا ولا ألومها لأنها مفاجئة ومنظر الصدمة من الأمام يخبر المشاهد بحدوث حادث عنيف، رغم أنه لم يكن كذلك أعتقد أنه ذنب السيارات الصغيرة والخفيفة، طمأنتها بأن الموضوع صغير جدًا وأنه ليس بالحادث الكبير حتى أن السيارة لم يصبها مكروه فقد تحركت بعدها ولم يتم ملاحظة خلل تقني بها. 

في اليوم التالي قدِم اتصال آخر من بنت الجيران، والتي لا أعلم متى كان آخر اتصال فيما بيننا، صوتها كان يرغب في طمأنتِ رغم ذهولها من ما تم رؤيته في المواقف الخارجية أمام المنزل، لتذكرني بقصتها العام الماضي عندما صدمتها سيارة من الجانب الأيمن بعد مرور شهر على اقتنائها وأنها أمور متوقع حدوثها ولا يجب أخذ موقف متشنج تجاهها. تم التطرق للموضوع في تويتر بعدها بثلاثة أيام ومرة أخرى انهالت التعليقات المختلفة من الأصدقاء مذكرةً نفسي بأنِ لست الوحيدة في هذا الأمر فأغلب الناس مر بتجارب مشابهة لها، حادث سيارة بعد اقتنائها بفترة بسيطة. بعد كل تلك المهدئات القادمة من أناس أعتز بوجودهم في حياتي واقعيًا أو افتراضيًا بدت تتضح أمامي لحظة سكون فلا وجود للقلق ولا وجود للخوف من الإمساك بالمقود مرة أخرى رغم هذا لم أحبذ التطرق للأمر ولم أرد التعامل مع السيارة في مرحلة ما بعد الحادث من تصليحات وتوفير القطع المتضررة وغيرها رغم وجود الأيادي الممتدة للمساعدة من قبل أخوتي، كان هناك رغبة عارمة في مسح الأمر والانتقال إلى مرحلة أخرى. المسح هنا لا يعني شطب المهمة من قائمة المهام لا بل إخفائها وعدم التعامل معها والانتقال لأمر آخر والعمل على انهائه في الوقت المناسب ليتم بعدها السير بخطوات واثقة نحو الأمام مع التأكيد على عدم الالتفات.

هذا الحدث جعلني أمعن النظر في كيفية تعاملي مع الأحداث المفاجئة الغير مخطط لها بشقيها الصعب والسهل. لاحظت أن صفة الهروب وعدم مواجهتها تتضح بشكل كبير، بل مع محاولة أكبر في الإسراع لتخطي الأمر وتجاهله، “رغبة عارمة في عدم المواجهة” يمكن جعلها شعارًا دائمًا لتلك المواقف. هل يمكن تصنيفه تحت قائمة “الجُبن”؟ هو حتمًا ليس ببعيد عنها، تلك المشاعر والرغبة في عدم التعامل مع الأمر أجدها تصرخ بصوت عالي داخل رأسي مرارًا وتكرارًا في كل مرة أمر بها بتلك الظروف. الحدث الجديد ليس الأول فدفتر الحياة مليء بمواقف مشابهة بل وبشكل أكبر، فعلى سبيل المثال العام الماضي أتيحت لي فرصة الذهاب لدورة تدريبية من قِبل العمل لمدة عام واحد في الخارج، في ذهن “أسماء” هذا يمثل الحلم الذي سعت له لسنوات، ورغبة العيش في الخارج وتجربة الحياة لوحدي كان أقصى ما أتمناه، لكن فكرة الهروب إلى الأمام وعدم المواجهة برزت بشكل جلي في هذه الحالة، بدأً من المعوقات التي من المتوقع بروزها عند أتخاذ فتاة مثل هذا القرار في حياتها، معارضة من هنا و تأييد على مضض من هناك. تلك الأمور جعلت الخوف يتسلل إلى داخلي مشككًا في كل فكرة آمنت بها بدأً من تقليل أهمية البلد التي سأذهب لها (كانت غلاسكو) وذكر عيوب عديدة لها: باردة، كئيبة مدينة ريفية لا تصلح للعيش وحيدًا، الشمس لا تظهر إلا أيامًا معدودة، اللهجة الغريبة لسكانها. كيف تم التعامل مع الأمر؟ من دون المواجهة مع الأشخاص المعنيين ومن دون ذكر وجهة نظري لهم، بل على العكس تمامًا تم تجاوزها ورفضها والعودة إلى العمل المعتاد الروتيني والمكروه من قِبلي. هكذا ببساطة، لم تكن هناك صدامات وانفعالات، ولم تكن هنالك جدالات حسمت أمرًا مقابل آخر بل على العكس تمامًا تم الأمر بهدوء حتى أن العديد ممن كانوا حولي لم يعلموا عن القرار المتخذ إلا بعد مرور فترة زمنية (كان في اعتقادهم بأنِ عاقدة العزم على الذهاب). الغريب أن في لحظتها ينتابني أحساس بالأمان والراحة وكأن جبلًا أزيح من على ظهري لكن ما يلبث هذا الجبل إلا أن يعاود البروز بعد فترة ليست بالقصيرة وبطريقة جلد ذات مرعبة، مع تذكير نفسي دائمًا بأن ما من أحد ملام غيرك، أنتِ السبب في كل ما حدث. تبدأ الأسئلة في التشكل على طريقة “ماذا لو؟” و “ماذا لو؟” أسئلة تجد إجابات واحدة مليئة بالعتابات و الاتهامات المبطنة لنفسي.

الموضوع أشبه بكتابة كلمات على Word أو Google Docs فيبدأ المصحح بوضع خطوط حمراء تحت الكلمات الواجب تصحيحها، فتمضي قدمًا في الكتابة حتى لا تضيع منك تلك الكلمات والتي ترغب بشدة في نقلها سريعًا من عقلك إلى جهازك مع مرور الوقت سوف تتناسى تلك التنبيهات لتتفاجئ بعد نشر موضوعك بكمية الأخطاء الموجودة. ببساطة إهمال تلك الإشارات وعدم التعامل معها في لحظتها قد يؤدي لتلك النتيجة الغير مرضية. أنا إلى الآن لم أستطع التعامل مع الأمر وما زلت أحاول إن أغير تلك الصفة فيني، هل الموضوع مرتبط بالمثالية؟ لا طبعًا لكنه أمرٌ أرغب في إنهائه لأنه يتعبني كثيرًا وأريد أن أكون أكثر راحة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s