أو بمعنى دارج بشكل أكبر “هجرة الإيطاليين” سأعود قليلاً بالذاكرة إلى أمور قادتني للتركيز على هذا الموضوع.
من منا في الصغر لم يعشق أفلام الكرتون ويتعلق أكثر بشخصياتها وأماكن حدوث تلك القصص. في البدء كان هناك “الكابتن رابح”, لن أشرح قصة فيلم الكرتون كاملة ولكن سأذكر مقتطفات مهمة منه والمرتبطة بشكل كبير بموضوع هذه التدوينة, كان رابح يلعب ضمن فريق جنوة يحلم بالذهاب لميلان أصدقائه جوليان لوكا وآنا جميعها ملامح إيطالية بامتياز تجعلك تتعلق بالبلد بالطبع لم يكن رابح هو الشيء الوحيد الذي عرفني على إيطاليا بشكل أكبر هناك أيضا فيلم رسوم متحركة آخر يدعى “وداعاً ماركو” قصة الطفل الباحث عن أمه والتي هاجرت مدينتها جنوة (مرة أخرى نفس المدينة) ذاهبة إلى البلاد الجديدة في القارتين الأمريكيتين (كان اختيارها من نصيب الجنوبية تحدياً الأرجنتين) من أجل البحث عن لقمة العيش تلك أيضا معالم إيطالية جعلت هذا البلد يتبلور في رأسي ويصبح محط اهتمام, بحيث إذا قرأت معلومة أو خبر عابر في جريدة أو في التلفاز أجد نفسي منصتة ومركزة في ما أقرأه أو أسمعه.
الطفلة الصغيرة كبرت وأصبحت الرسوم المتحركة لا تستهويها كما كانت في السابق بدأت حينها بالتعلق بأشياء أخرى كالموسيقى والأفلام ومشاهدة مباريات كرة القدم وغيرها من الأمور التي تشغل بال أي مراهق. إيطاليا مازالت موجودة ولكن هذه المرة أتضحت صورتها أكثر في الاستماع للأغاني الإيطالية, لا أستطيع الإنكار بأن تلك اللغة الموسيقية لها سحر خاص حتى وأن كنت لا أفهم معنى كلمات الأغنية لكن من قال أنه من الواجب علينا فهمها.
أصبحت مدن إيطاليا وأقاليمها مألوفة لدي وأعرف السمات البارزة لسكانها (كلٍ حسب إقليمه) وتاريخها البسيط الذي حدد تلك المعالم. ومع دخول عالم الأنترنت أصبح من السهل علي تحميل أي وثائقي يتحدث عن إيطاليا, أو تعلم اللغة الإيطالية بشكل بسيط عن طريق بعض المواقع المجانية والاهتمام أكثر بفنانين إيطاليين (في مجال الرسم) ومعرفة لوحاتهم خصوصاً أن بلداً كإيطاليا مبدعة منذ القدم في هذا المجال. سأنعطف الآن قليلاً لأتحدث عن شيءً آخر قدم مع الأنترنت تحميل الأفلام وبما أنِ الآن في إيطاليا فيجب أن اخصص الموضوع أكثر ليصبح عن السينما الإيطالية, عجيبة هي الأفلام القادمة من هناك خصوصاً القديمة منها. السينما الإيطالية تختلف كثيراً عن السينما القادمة من هوليوود أنا لا أعقد مقارنة بينهما ولكن من وجهة نظري هنالك مزايا لكل منهما ولعل في النهاية من سيكسب هو نحن المشاهدين المتعلقين بالسينما لضمان توفر المتعة بشكل أكبر. لن أعدد لكم أهم الأفلام التي شاهدتها ولكن سأذكر اسم مخرجيين اثنين يستحق أن تعرجوا قليلاً على أعمالهما وستتضح من خلال أعمالهما متعة السينما الإيطالية (فيليني – تورناتوري).
لنخرج قليلاً من عالم الفن والموسيقى ونعود لموضوعنا الأساسي (الشتات الإيطالي) من خلال متابعتي لفنانين و مغنيين أمريكيين كثيراً ما أجد في سيرهم الذاتية مقولة أمريكي-إيطالي أو بمعنى آخر هذا الفنان من أصول إيطالية قد لا يكون مستغرباً في بلد مثل أمريكا تواجد هذا الأصول خصوصاً بعد معرفتنا جميعاً بكيفية تبلور الحياة الاجتماعية هناك ولكن لا أعلم هنالك شيء مميز بمن يحملون الأصول الإيطالية أحببت أن أطلع أكثر عن هذا الموضوع, ومرة أخرى هنا نستفيد من نعمة الأنترنت العظيمة, بحثت عن مقالات و أطلعت على مواضيع ذات صلة في الويكيبيديا و قمت بتحميل وثائقيات كلها كانت جيدة لكن ليس بالحد المأمول منها فقررت شراء كتاب يتكلم بإسهاب عن هذا الموضوع بحثت كثراً لكن كعادة مكتبتنا العربية المترجمة هنالك شح كبير في الكتب التركيز الأكبر على الروايات وليست بذلك العدد المأمول منه أيضاً فكيف بكتب تتحدث عن مواضيع اجتماعية-تاريخية لحسن الحظ قامت مؤسسة أبوظبي للثقافة والتراث بتبني مشروع للترجمة تحت مسمى مشروع كلمة يقوم بالترجمة في شتى المجالات قمت بالبحث في موقعهم ضمن قسم التاريخ والجغرافيا وكتب السير الذاتية لأجد كتاب تحت عنوان “تاريخ الهجرات الدولية” ولحسن الحظ مترجم من اللغة الإيطالية فحتماً سيكون هنالك تركيز أكبر على هجرة الإيطاليين نفسهم طبعاً كتب هذا المشروع لا تتوفر في المكتبات العامة أو الخاصة دائماً ما تتوفر فقط في معرض الكتاب نفسه فكان علي الانتظار حتى حين موعد المعرض, مرت الأيام وأتى يوم الافتتاح ووجدت المكان المخصص لهيئة أبوظبي للتراث والثقافة, والذي كان يحتل مكاناً واسعاً بالمناسبة, ظلت عيني تنظر للأسفل مركزةً بشكل كبير على العناوين لألمح ذلك الكتاب الأحمر ذو الحجم المتوسط وكتب عليه “تاريخ الهجرات الدولية” فرحت كثيراً والتقطته بسرعة خوفاً من انتهاءه, كما يحدث غالباً في هذه المعارض.
بعد أيام من انتهاء المعرض بدأت بقراءته وجدت معلومات شيقة جداً من أهمها أن إيطاليا تعد من أكثر الدول التي قدمت مهاجرين دون دواعي حرب واقتتال أي لم يكن هنالك سبب لتشرد والخوف بل هجرة بقرار شخصي المعلومة الأخرى أن جل هجرات الإيطاليين تركزت في أواخر القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين أي بعد أعلان دولة إيطاليا عن إقامة مملكة متحدة على أراضيها بعد أن كانت إمارات متنازعة ومعلومة أخرى أن معظم من هاجروا من هناك ينتمون إلى القسم الجنوبي منها أي من مدن وأقاليم كنابولي وصقلية كونها كانت المتضرر الأكبر من هذا التوحد حيث ظفر أهل الشمال بالغنائم والمناصب تاركين أهل الجنوب عرضةً للفقر ومن ثم التهجير كانت الوجهات الأكثر أقبالاً لهذه الهجرات مدينتي نيويورك وبوينس آيرس ولعل معالم وأحياء مدينة نيويورك تدل على وجود الكثير من الملامح الإيطالية لمهاجرين اتوها من هناك بينما في الأرجنتين تتضح من خلال الأحصائيات حيث تذكر أن 60% من الشعب الأرجنتيني هو من أصول إيطالية.
الموضوع يتشعب كثيراً وأنا هنا لست في محل لأن أتحدث عنه بالتفصيل ولكن ذكر بعض النقاط التي ألهمتني للتعلق أكثر به ولعله بدأ من مشاهدة فيلم الرسوم المتحركة “وداعاً ماركو”.