هدسون، أول من رأى نيويورك

في القرن السادس عشر، كانت السيطرة الكاملة للطرق الجنوبية المؤدية للهند والمشرق لصالح إمبراطوريتين هما الإسبانية والبرتغالية، ومن جانب آخر كان طريق الحرير مغلقًا بالكامل من قِبل الأمبراطورية العثمانية. مع تلك المسببات بدأ ولع الأوروبيين وخصوصًا ممن يقطنون في الجانب الشمالي الغربي بإكتشاف طريق شمالي يصل المحيط الأطلسي بالمحيط الهادي ليتأسس معها  خط تجاري مع الصين. مع تعدد المحاولات لشق الطريق الجديدة بزغ اسم هنري هدسون، وفي أيامنا الحالية مازال لقبه يتداول في قارة أميركا الشمالية في ثلاثة تضاريس مختلفة أولها في النهر المار من الجهة الغربية لجزيرة مانهاتن وثانيها الخليج الشاسع الواقع في الأراضي الكندية والمضيق المؤدي لذلك الخليج هو المعلم الثالث، إلا أن رحلة البحث الأخيرة لهدسون انتهت بالخيانة وتخلي المرافقين له لتنتهي قصته بغموض يلتف حول مصيره.

كانت المحاولة المسجلة الأولى للإبحار من أجل قطع المسافة من خلال قمة العالم المتجمدة من قبِل الإيطالي جون كابوت في العام 1497 وتحت رعاية الملك الإنجليزي هنري السابع. فشلت المحاولة للوصول لقارة آسيا لكن سجل التاريخ لكابوت بأن يكون أول أوربي يطأ القارة الأميركية الشمالية بعد الفايكنج. أتى بعد ذلك المستكشف البرتغالي إيستيفاو غوميز والذي أُرسل في مهمة مشابهة تحت دعم إمبراطور إسبانيا في العام 1524، وصل إلى منطقة نوفا سكوشا قبل أن يضطر للتراجع لصعوبة التأقلم مع الأجواء القارسة. في العام 1530 وفي محاولتين لقطع نهر سانت لورانس، والذي يربط المحيط الأطلسي مع البحيرات العظيمة، لم يستطع الرحالة الفرنسي جاك كارتييه إكمال الرحلة لتعرضه لمنحدرات خطيرة أعاقت تقدمه، أطلق عليها اسم لا شين وكان على قناعة تامة بأنها من وقفت حاجزًا بينه وبين الصين. 

في العام 1551 تم تأسيس شركة التجار المغامرون إلى الأراضي الجديدة (ومسماها الكامل هو شركة التجار المغامرون من أجل اكتشاف المناطق والجزر والأماكن الغير معلومة) من قِبل 240 مغامرًا ساهموا بمبلغ وقدره 24 باوند، وتم إعلان البحث عن مسار شمالي مؤدي لقارة آسيا كأولوية أساسية لها. السير هيو ويلوبي ترأس أولى رحلات الشركة في المسار الشمالي مروراً من فوق روسيا و بمعاونة من مساعده ريتشارد تشانسلر. غادرت الرحلة في مايو من العام 1553، والمكونة من ثلاثة سفن، العاصمة لندن إلى أن هبت عاصفة قوية بعدها بأربعة أشهر في مكان ما شمال النرويج لتتفرق السفن. غادر ويلوبي مع سفنتين ودار حول الرأس الشمالي ليبحر شرقًا من خلال بحر بارنتس إلى أن وصل لأرخبيل نوڤايا زمليا ثم انعطف عائدًا إلى شبه جزيرة كولا ولم تستطع السفن بعدها التحرك بعد أن علقت في الجليد في منطقة تعرف في وقتنا الحاضر بمورمانسك. على الجانب الآخر كان تشانسلر محظوظًا حين أبحر داخل البحر الأبيض لكونه طريقًا غير محفوف بالمخاطر واستقرت السفينة عند مصب نهر دفينا، ثم ارتحل برًا إلى أن وصل لمدينة موسكو والتقى القيصر ايفان الرابع الملقب بايفان الرهيب والذي من خلاله بعث برسالة إلى ملكة إنجلترا ماري الأولى مرحبًا بالتبادل التجاري بين الشعبين. عندما عاد تشانسلر إلى أرض الوطن كان قد تم تغير مسمى شركة التجار المغامرون إلى شركة موسكوفي، في تلك الأثناء ظل ويلوبي وطاقمه يصارعون من أجل البقاء إلى أن هلك أغلبهم أما نتيجة لظروف البرد القارسة أو بالتسمم بغاز أول أكسيد الكربون ونتيجة لذلك عُدت تلك الحادثة الأولى من ناحية الضحايا في سبيل اكتشاف الطريق الجديد المؤدي للصين من جهة الشمال. 

ظل اكتشاف الطريق الشمالي المؤدي لآسيا صعب المنال في القرن السادس عشر بإستثناء ثلاث محاولات من قِبل المستكشف الإنجليزي والقرصان مارتن فروبشير في عقد 1570 (لا أحد منهم ذهب أبعد من جزيرة بافن)، هنالك أيضًا مغامرة فوضوية تمت من خلال شخص يدعى همفري جيلبرت في العقد 1580 أدت لاستعمار انجليزي للأراضي جديدة ولم ينتج عنها فتح الطرق الشمالية. تلت تلك المحاولات ثلاث محاولات فاشلة أخرى في عهد الملكة اليزابيث من خلال المستكشف جون ديفيس والذي التحق لاحقًا مع توماس كافنديش في طواف عالمي لاكتشاف طريق شمالي غربي ينطلق من الشرق وانتهت بالفشل.

ممر سري:

القليل من المعلومات التي عُرفت عن أيام هدسون الأولى لكن من المرجح أنه تدرج من صبي للمقصورة إلى قائد السفينة في بضع سنوات مارس خلالها الملاحة داخل البحر. توجد مخطوطة يذكر فيها البحار هدسون وتعود للعام 1607 مرتبطة بمهمة يُحضر لها من قِبل شركة موسكوفي لأكتشاف طريق في اتجاه الشمال الغربي، وترجو انجلترا أن تتوصل لذلك الطريق قبل أن يتم اكتشافه من قِبل منافسهم اللدود البحارة الهولنديين. تم ترشيح هدسون للشركة بواسطة القس ريتشارد هاكلويت، والذي كان جغرافيًا متميزًا، وقد أكد لهم القس مهارات وخبرة هدسون والتي تؤهله ليقود الحملة بالإضافة لمعلومات اكتسبها قد تكون معينة له في اكتشاف الطريق الجديد. اقتبس هدسون تلك المعلومات السرية من كتيب قديم كُتب منذ أكثر من 80 عام بواسطة تاجر من بريستول قد سمع أخبارًا عديدة من رحلات قديمة لاكتشاف ذلك الطريق من خلال والده والذي قد سافر مع القائد جون كابوت منذ قرن مضى. في الأول من مايو من العام 1607 ومن طاقم مكون من عشرة رجال بما فيهم ابنه جون انطلق هدسون من بلدة جريفسيند على سفينة صغيرة يطلق عليها “هوبويل” والتي سبق لها خوض مغامرة سابقة فيما مضى تحت قيادة القائد جون نايت في العام 1606 كُتب لها الفشل وعدم اكتشاف طريق شمالي يوصل غرب أوروبا بآسيا. أبحر هدسون من خلال جزر شتلاند وبعد مرور ستة أسابيع وصل لجرينلاند، ظل هدسون ملازما للساحل الشرقي للجزيرة لمدة أسبوع قبل أن يتجه شرقًا داخل عاصفة ضبابية في بحر جرينلاند، بعد مضي خمسة أيام تم رؤية جزيرة سبيتسبرغن والتي تم اكتشافها من قبل الهولنديين في العام 1596 وستصبح فيما بعد مكان مميزًا لصائدي الحيتان و حيوان الفقمة. عند حلول منتصف يوليو بلغت سفينة “هوبويل” أرض نورأوستلانده وتعتبر ثاني أكبر جزيرة في أرخبيل سفالبارد وتوجد في أقصى الشمال. قطع الجليد الضخمة جعلت من التقدم أمرًا مستحيلاً مجبرةً هدسون على العودة إلى أرض الوطن، وبعد اتخاذ ذلك القرار تم وصول سفينة “هوبويل” إلى بلدة تيلبري في إنجلترا في الخامس عشر من شهر سبتمبر.

تراجع قسري:

بعد مرور سبعة أشهر، ارتحل هدسون مع طاقم بحارة السفينة “هوبويل” والتي تضم زميله روبرت جوه في مهمة اكتشاف ثانية وبتمويل من ذات الشركة موسكوفي أملاً في العثور على الطريق المستهدف هذه المرة، المسار المقترح كان الشمال الشرقي إلى الأعلى من روسيا. اخترقت السفينة “هوبويل” الدائرة القطبية بعد قطعها مسافة 2500 ميل ووصلت بعيدًا إلى نوفايا زمليا، الطريق حول بحر كارا كان مسدودًا بواسطة كومة ضخمة من الجليد، التقارير كانت تشير عن عزم هدسون الأتجاه غربًا لكن مع ازدياد حالات العصيان والتمرد بين طاقم البحارة اضطر للتراجع إلى انجلترا. في العام 1609 تخلى الإنجليز عن دعمهم لهدسون ليتجه لشركة الهند الشرقية الهولندية لتجهز له سفينة سميت “هاف مون” وتكون مهمتها البحث عن ممر شمالي لصالح الهولنديين، ومع طاقم بحارة مختلط من إنجليز و هولنديين ستنطلق الرحلة الأستكشافية مرة أخرى في الاتجاه الشرقي وإلى الأعلى من روسيا. غادرت السفينة ميناء أمستردام في شهر أبريل وفورًا شعر هدسون بعدم نجاح المهمة نتيجةً للبحار المتجمدة وكان قد سمع أقاويل تتحدث عن مسار غربي من خلال قارة أميركا الشمالية وأبحر من خلال المحيط الأطلسي ليصل نيوفاوندلاند في بداية شهر يوليو. رست السفن في بلدة لاهاف في منطقة نوفا سكوشا من أجل الإصلاحات والتزود بالإمدادات الغذائية. الرحلة الأستكشافية ظلت لعشرة أيام وفي تلك الأوقات داهم البحارة قرية يقطنها السكان الأصليون ليلحقوا بأهلها الدمار ثم أبحروا بعد ذلك باتجاه الجنوب حتى بداية شهر أغسطس ليبلغوا “كيب كود”. استمروا في الإبحار جنوبًا داخل المياه المفتوحة قبل أن تعطف السفينة في اتجاه الغرب بالغين بذلك خليج تشيزبيك وبالقرب من المستعمرة الإنجليزية جيمس تاون، والمعروفة بكونها أول مستعمرة انجليزية في أميركا. ومن دون أن يعلم هدسون عن المجاعة الموجود في مستعمرة جون سميث أكمل طريقه شمالاً بمحاذاة الساحل حتى تمكن من الوصول إلى ساندي هوك في أول أيام شهر سبتمبر عابرًا ما يعرف اليوم بخليج نيويورك. في الحادي عشر من سبتمبر من العام 1609 وبعد أن دخل هدسون الخليج العلوي ظل بعدها عدة أسابيع محاولاً اكتشاف المنطقة والممرات المائية التي تصب في الخليج وأطلق عليه مسمى نهر الجبال، لكن كلنا على علم بأنه اتخذ هدسون مسمى له فيما بعد، وقد ظن بأنه على بعد أميال بسيطة من اكتشاف المسار الكبير والذي يمكن أن يصل للمحيط الهادئ فبالتالي تتم الرحلة إلى الوجهة النهائية آسيا خصوصًا مع اتساع النهر بشكل كبير عند منطقة تابان زي لكن كل الآمال تبددت عندما انتهى بهم الحال في ألباني وكان من الواضح أن لا وجود لمسار في القادم من الأميال.

معارف جديدة:

استمرت المواجهات بين شعب جونكوين (السكان الأصليون) والأوربيين  أسابيع عدة نتج عن إحداها إصابة عضو من أعضاء طاقم البحارة جون كولمان في عنقة بواسطة سهم أطلق من قِبلهم وبناءً على هذا تم إعتقال العديد من السكان الأصليون، لكن الصورة لم تكن قاتمة دائمًا فيما بين الشعبيين قفد تمت بعض أنواع التبادل التجاري فيما بينهم حتى أن هدسون بنفسه قد قبل دعوات عشاء عديدة وضعت له من خلال زعماء القبائل. أُعلنت المنطقة الجديدة تابعةً للهولنديين وتم أمر ببناء مدينة نيو أمستردام على جزيرة مانهاتن (عُرفت لاحقًا بنيويورك) وأصبحت هذه المدينة بعد خمسة عشر عامًا عاصمة للمستعمرة الهولندية في الأراضي الجديدة. أبحرت سفينة هاف مون في رحلة عودتها لكن بدلاً من الذهاب للوجهة المتوقعة إلى أمستردام توقفت في دارتموث. هناك بعض التكهنات التي تعتقد بأن هدسون كان يعبث مع الهولنديين وأن الرحلة ما هي إلا حيلة منه للاستيلاء على خرائطهم وقد ذهب عن عمد جنوبًا خلال الرحلة الأستكشافية، وكدليل على صحة هذه الادعاءات كان الأنجليزي غاضبًا و نتج عنه احتجاز قائد المركبة وأسره من أجل الاستيلاء على مخطوطاته.

متاهة لا نهاية لها:

سرعان ما غُفر لهدسون حول احتمالية كونه يعمل بازدواجية أثناء خدمته للهولنديين وتم التعاقد معه من قِبل تجار بلده (تعاون بين شركتي الهند الشرقية البريطانية وموسكوفي) لرحلته الأستكشافية القادمة. هذه المرة مع طاقم أكبر ضم فيها أحد أهم صانعي المشاكل بين البحارة والحديث هنا عن هنري جرين، غادر هدسون ميناء لندن في شهر أبريل على متن سفينة ديسكفري، تم الإبحار من خلال جزر الفارو و إيسلندا قبل التوجه غربًا إلى الحافة الجنوبية من جرينلاند عبر من خلالها بحر لابرادور لتقطع السفينة بعدها مضيقًا كان هدسون قد أسماه  “فيريوس اوفرفلو” ويقع بين نيوفاوندلاند و جزيرة بافن. حدثت ظروف خطيرة في خليج أونغافا جعلت السفينة عالقة هناك لعدة أسابيع. تم جرف السفينة بعيدًا بناءً على محاولة أخرى منها لعبور مضيق “فيريوس اوفرفلو” إلى داخل خليج شاسع (عُرف فيما بعد بإسم خليج هدسون) ظن طاقم السفينة بعد رؤيته بأنهم توصلوا أخيرًا للمسار الذي سيؤدي بهم للوجهة النهائية وهو الوصول لقارة آسيا بطريقٍ شمالي. بعد مضي أشهر في محاولة الوصول للمحيط دب اليأس داخل الطاقم وقد كتب أحدهم في عبارة تصف حالهم “متاهة من دون نهاية” أعاق الجليد مسيرة السفينة ليضطروا بعدها قضاء الأجواء القاسية  في خليج جيمس. أدت تلك الأحوال إلى أن يعلن جوه العصيان على القائد ومع بداية تدهور أعضاء الطاقم ومصارعتهم مع الجوع أصبح تكوين مؤيدين له ليس بالصعوبة البالغة. عندما بدأ الجليد في الذوبان محررًا السفينة ديسكفري في ربيع العام ١٦١١ ظل هدسون متمسكًا بإكمال الرحلة مما ولد غضبًا لدى البحارة، وبعد وصولهم لحافة الانهيار الجسدي تحديدًا في شهر يونيو وبتخطيط من جوه وجرين قرر الجميع إرسال هدسون وأبنه الصغير جون مع سبعة من رجاله المخلصين أو من أصبح جسده غير قادر على الاحتمال لمواصلة رحلة العودة للوطن في قارب مفتوح مع بعض الأدوات والأطعمة اللازمة تاركين القارب يطفو في خليج جيمس ولم يبقى لهم أثر بعد ذلك اليوم تاركين نهاية المستكشف هدسون مجهولة.


*هذه المقالة نشرت في مجلة BBC History Magazine في عدد خاص عن المستكشفين

*خريطة تفاعلية توضح رحلات هدسون الأربعة

الذهب

هذه المقالة جزء من سلسلة مقالات مترجمة تلقي الضوء على موارد طبيعية غيرت من شكل الحياة

img_1221

لعدة قرون كان الذهب عاملًا أساسيًا في الحضارة البشرية، فمن من مصدر إلهام للشعوب القديمة إلى لاعب أساسي في تطوير الاقتصاد العالمي. ظهرت أول عملة معدنية في القرن السابع قبل الميلاد في البلاد التي تعرف حاليًا بتركيا، وتم صنعها بواسطة الذهب. واستعمل سكان أمريكا الأصليون هذا المعدن منذ أكثر من عشرة آلاف سنة قبل الميلاد في أعمالهم الفنية، آلهة الشمس إنتي هي الراعي الإلهي لحضارة الإنكا وتستمد قوتها من الذهب. 

اللحظة المفصلية للذهب كانت عندما تم اكتشاف الأراضي الجديدة من قِبل الإسبان. في القرن السادس عشر قدم الغزاة إلى الأراضي الأمريكية بحثًا عن الثراء والسيطرة، رجال مثل فرانشيسكو بيزارو وايرنان كورتيز صنعوا مجدهم الشخصي بابعادهم للقادة المحليين كأتاوالبا من الإنكا و مونتيزوما من الأزتك. تدفق الذهب على أسبانيا واستفادت العائلة الحاكمة هابسبورغ من قانون الضريبة المفروض والمعروف بمسمى (Quinto Real) أي يتم اقتطاع 20% من قيمة الأوقية الواحدة المستوردة عن طريق أشبيلية أي ما يعادل الخمس. 

هذا الثراء السريع أحدث الكثير من التأثيرات الإيجابية منها مثلًا بث الدافع والحافز للتجارة بشكل أكبر، ومن الصدف الرائعة أن ثروة أسبانيا الجديدة تزامنت مع النقلات الكبيرة في الاستراتيجيات العسكرية والتي تتطلب معدات ثمينة لتنفيذها. من جهة أخرى كان هنالك بعض المردود السيئ من وراء الثروة القادمة من الذهب، فأسبانيا أصبحت غنية ورغبة مواطنيها في امتلاك الذهب أصبحت إدمانًا،في المقابل تم ارتفاع أسعار المعدات القتالية كل هذا يعني رفع الحاجة لاقتراض الأموال لمعادلة التكاليف، ومع افتقار البنك المركزي للأموال، أصبحت تكلفة الاقتراض مرتفعة حتى أوشكت الحكومة على الإفلاس. هذه الدلائل ترشدنا إلى أن إسبانيا لم تستفد من الثروة المقدمة لها من الذهب كما يجب. في الوقت ذاته أستفادت الأنظمة البنكية في هولندا وانكلترا من سعر الفائدة الإسبانية لتضع قيمة أقل عند الاقتراض وبسرعة أصبحت لندن مركزًا لسوق الذهب والأنشطة الاقتصادية، ومع حلول القرن التاسع عشر أصبح بنك إنجلترا ضامن الاستقرار للأسواق الأقتصادية العالمية.

المعيار الذهبي (والتي أصبحت نظامًا مهجورًا في أيامنا الحالية) هو نظام لتسعير العملة، يستبدل فيه الذهب بالأوراق النقدية فالأوقية الواحدة من الذهب تعادل 3.17 شيلينغ و 10.5 بينيس، وإذا تخطينا الزمن سريعًا حتى نصل لعالم متأزم من قيام حربين أثرت كثيرًا في معدلات النمو الاقتصادي، ظل الذهب عاملًا مهمًا فتم عقد مؤتمر بريتون وودز في وقت كانت ما تزال فيه الحرب العالمية الثانية مشتعلة. تم اجتماع ممثلين عن 44 دولة أرادوا من خلال هذا المؤتمر تطوير النظام النقدي الدولي كل ذلك من أجل ضمان استقرار سعر الصرف. استطاع المجتمعون الاتفاق على تحويل الذهب إلى الدولار وتثبيت سعره عند 35 دولارًا للأوقية الواحدة، والأمر أيضًا بالنسبة للعملات الأخرى (الفرنك الفرنسي و الباوند البريطاني) فجميعهم كانوا على معرفة بتفوق عملة الدولار ورفضهم التام تعويم العملات وتفضيلهم استقرار الذهب.

وصلت هذه الاتفاقية إلى نقطة النهاية في العام 1971 عندما أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار الأمريكي إلى الذهب، ومع هذا القرار أنتهت علاقة دامت لسنين طويلة بين الذهب والعملات النقدية. منذ تلك اللحظة تم ارتفاع سعر الذهب مقابل الدولار حيث بلغ سعره عند كتابة هذا المقال أي أواخر فبراير 2018 أكثر من 1300 دولار للأوقية الواحدة أي بحدود 37 ضعفًا عما كان عليه الحال عند انعقاد مؤتمر بريتون وودز في العام 1944. تلك الزيادة الكبيرة توضح القيمة العالية للذهب فمنذ العصور القديمة ظل حاميًا لشعوب مكتشفينه ومازالت إلى وقتنا الحاضر. 


 

*هذه المقالة نشرت في مجلة BBC World Histories العدد التاسع، لتصفح وشراء العدد هنا

القهوة

هذه المقالة جزء من سلسلة مقالات مترجمة تلقي الضوء على موارد طبيعية غيرت من شكل الحياة

 

لا يوجد مادة أو منتج أثر على طريقة عيشنا أكثر من القهوة، ظلت صباحات الذهاب للعمل مرتبطة مع كوب القهوة المحمول باليد، ذلك الكوب سوف يكون المسؤول عن تحفيز المخ لأداء عمل أفضل والعكس صحيح، أو هذا ما نحاول إثباته لأنفسنا. هذه العادة الجديدة أدت لخلق نوع من السعادة ومتعة لعل الجميع يتفق عليها. في البدء قدِمت لنا القهوة من نبتة البن وفي علم الأحياء قسم ترشيح النباتات يعتبر جنس من فصيلة فَويّة وله 124 فصيلة ولكن نوعان فقط يمكن حرثها الأول هو البن العربي والآخر هو البُن القصبي أو البن الصلب. يمكن الجزم بأن العربية تعتلي مكانة أعلى من الأخرى لطعمها الخفيف والنكهة الشهية المصاحبة لها وبناءً عليه ترتفع أسعارها مقارنة بغيرها في أسواق القهوة.

البن العربي لم يأتي من شبه الجزيرة العربية كما يقترح الأسم، بل مصدره يقع في غابات اثيوبيا الكثيفة في مكان معزول بمساحات خضراء شاسعة في الجزء الجنوبي الغربي على بعد مئاتِ قليلة من الكيلومترات من العاصمة أديس أبابا. في وسط الوديان العميقة والغابات الكثيفة تظهر ضيع المزارعين، يقومون بزراعة تلك الحبوب في حدائقهم. يشترونها ويبيعونها ويتم تخزينها لحين ارتفاع الأسعار، دون الأغفال عن شرب العديد من أكواب القهوة يوميًا.

لا يوجد تاريخ محدد لوصول البن داخل شبه الجزيرة العربية، حيث تم له الانتشار من خلالها، لكن تقريبًا عُرف أنه في العام 1550 حينما كانت المنطقة تحكم بواسطة الأمبراطورية العثمانية. بدأت القهوة تباع تجاريًا ويتم شحنها من موانئ البحر الأحمر وتحديدًا ميناء المخاء في اليمن.

يرجح المؤرخون أن السبب الرئيسي لأنتشار القهوة يعود إلى الصوفية، تلك الطائفة الدينية المسلمة والتي أستعمل اتباعها القهوة لزيادة خاصية التركيز لديهم حتى يتسنى لهم البقاء مستيقظين فترة أطول أثناء أدائهم للصلوات الطويلة. وفي ترحالهم لمختلف بلدان الشرق الأوسط مثل مصر وفارس كانوا دائمًا حاملين لتلك الحبوب. ظل الصوفيين محتكين بمختلف البشر، في عمليات البيع والشراء داخل الأسواق الشعبية وعند أخذ حمام ساخن في الحمامات العامة حيث يمكنهم مشاركة قصصهم مع العامة، ولم يمر وقت طويل حتى انتقلت القهوة من كونها عادة دينية إلى عادة دنيوية.

في أواخر القرن السادس عشر تم افتتاح العديد من المقاهي في عدة مدن أهمها  مكة والمدينة وبغداد والقاهرة واسطنبول. ظلت أوروبا في ذلك الوقت على جهل بتلك الحبوب إلى أن وصلت أول شحنة ميناء البندقية في العام 1615، وفي إنجلترا تم افتتاح أول مقهى داخل أكسفورد ويعود السبب لمواطن لبناني يهودي كان يعمل هناك في العام 1650، وأيضًا شخص آخر ينتمي لليونان التابعة للإمبراطورية العثمانية حينها يدعى باسكوا روسي ينسب إليه الفضل في افتتاح أول مقهى في العاصمة لندن في العام 1652. أصبحت بعدها المقاهي المكان المثالي للالتقاء ومناقشة الأحاديث.  تعرف القهوة بتأثيرها القوي، وعلى عكس الكحول، هذه القوة تولد  صفاءً ذهنيّا وأفكار خلاقة. لم تكن تمر 100 عام على دخول القهوة لإنجلترا حتى أصبح عدد المقاهي فيها يتجاوز الثلاثة آلاف مقهى، وفي لندن وحدها يتواجد خمسمائة منها.

ظل ميناء المخاء طيلة قرنين محتكرًا لتصدير حبوب البن ومعها تصاعدت شعبية القهوة إلى أن بلغت ذروتها في العام 1720. خلال تلك السنوات وتحديدًا في العام 1699 أصبح للقهوة أرض أخرى تُزرع وتتنتج فيها، ففي جاوه قلب مستعمرة الهند الشرقية الهولندية (والتي تعرف حاليًا بأندونيسيا) أصبحت حبوب البن تتوفر بشدة تلك الوفرة أدت إلى انتقالها إلى المستعمرات الهولندية مثل سورينام ومنها إلى جارتها غويانا الفرنسية حتى أستقر بها الحال داخل الأراضي البرازيلية في العام 1727، ظلت تلك النبتة تنمو بثبات وبسرعة كبيرة في الظروف الملائمة لها ومع مرور 30 سنة أصبحت القهوة متواجدة في القارات الخمس مما ادى إلى الحاجة لعمالة كبيرة خاصة داخل البرازيل، ومع ازدياد تجارة القهوة بجانب كل من قصب السكر واستخراج المعادن تم استقدام أعداد كبيرة من العبيد الأفارقة من الغرب الأوسط الأفريقي، بلغت أعدادهم حوالي 4.9 مليون أفريقي وصلوا للبرازيل قبل إلغاء العبودية في العام 1888. 

يزرع اليوم البن العربي ما بين البلدان الاستوائية والمدارية في داخل أراضي أكثر من أربعين دولة، وتشير الأحصائيات إلى بلوغ محصولها في العام 2017/2018 إلى 6000000000 كيلوغرام من حبوب القهوة الخضراء. شعبية القهوة في ازدياد ومع ظهور طرق جديدة في إعدادها كما هو الحال مع القهوة المختصة، يبدو أننا اليوم في وقت لم تكن قد بلغت فيه القهوة ذلك الطعم الرائع أو تلك الوفرة والشعبية الجارفة بين عموم البشر.


 

*هذه المقالة نشرت في مجلة BBC World Histories العدد التاسع، لتصفح وشراء العدد هنا

الشاي

هذه المقالة جزء من سلسلة مقالات مترجمة تلقي الضوء على موارد طبيعية غيرت من شكل الحياة

gettyimages-163448922-594x594

British tea plantation with owners and workers posing in front of a bungalow, India 1880s. (Photo by Mansell/The LIFE Picture Collection via Getty Images)

 

في شهر يونيو من العام 1667 كان صموئيل بيبيس قد عاد لمنزله ليجد زوجته تقوم بتحضير مشروب ساخن معد مع أوراق مجففة من نبتة تدعى كاميليا سينينسيس، كل ذلك الأمر تم بناءً على وصفة أوصاها بها الصيدلي، ذلك المشروب المهدئ عرف فيما بعد بالشاي. تم التعرف على الشاي في أوروبا عن طريق تجار شركة الهند الشرقية، ففي أثناء رحلاتهم من أجل الأتجار بالفلافل في أقصى الشرق، ظلوا مستمتعين بشرب مشروب عشبي يوفر لهم الراحة اللازمة بعد عناء الترحال. اعتبر العديد منهم ذلك المشروب الصيني الجديد كدواء ولم يدخل بعد في قائمة الإفطار اليومية مثل القهوة والشوكولاتة الساخنة. لكن مع مرور الوقت أصبح المشروب الأكثر استهلاكًا في المستعمرات.

السبب الرئيسي وراء اشتهار شرب الشاي في بريطانيا هو العادة المرتبطة بالشرب لديهم فيمكن اعتباره كنوع من الانضباط بطريقة مقبولة، وطريقة سهلة لإستهلاك السكر معه، والذي بدوره شهد صعودًا كبيرًا في كميات استهلاكه في ذلك الوقت. بين القرنين السابع عشر والثامن عشر تم ارتفاع استهلاك المنتجين السكر والشاي بالترادف، وأصبح الشاي المحلى هو الأختيار الأول من المشروبات للعديد من أفراد المجتمع من السادة النبلاء إلى العاملين البسطاء.

استهجن الفقراء هذه العادة الجديدة في البداية واعتبروها تبديدًا للأموال وعلامة واضحة من علامات التبذير، ناهيك بأنها تساهم في زيادة فقرهم، لكن مع مرور الوقت وإذا علمنا بأنه لم يكن باستطاعتهم تحمل قيمة الوقود من أجل طبخ وجباتهم ولا  تكاليف مشروب البيرة المحبب لهم اضطروا للتحول إلى بديل أرخص وكان الشاي الخيار الأمثل في هذه الحالة. وبناء على ذلك من الممكن اعتبار الشاي المحلى المحرك الأساسي للثورة الصناعية في بريطانيا. 

في الربع الثالث من القرن الثامن عشر وبفضل احتياج بريطانيا للشاي أصبحت هذه السلعة الأكثر طلبًا من قبل المستهلكين مما أدى إلى الحاجة من أجل عمل توازن  في الصادرات والواردات بينها وبين الصين فقامت بريطانيا وعن طريق ممثلتها شركة الهند الشرقية ببدأ خلق تجارة الأفيون مع الصين، التجارة التي اعتبرت غير نزيهة، فقد تم زراعة هذا العقار في الأراضي التابعة للمستعمرات البريطانية في الهند ومن ثم تصديره للصين ومقاضاته بالشاي . لم يكتف البريطانيون بهذا   فقد استخدموا القوة مع الصين لفتح موانئها من أجل التجارة الحرة مع إجبار سكان الهند على زراعة الأفيون من أجل تصديره للصين مما ساهم في رفع معدلات الإدمان بين المواطنين ليتم تحويل الصين لبلد مليء بالمدمنين. في الحقيقة أصبحت عادة تدخين الأفيون منتشرة بين فقراء الصين كما هو الحال مع فقراء بريطانيا مع شرب الشاي، فالكل يبحث عن تلك الرغبة. لكن ظلت الحكومة الصينية تشيطن الأفيون باعتبارها تذكيرًا لإهانة الصينيين من قِبل قوى الأستعمار الأجنبية وبالتالي تحريم هذه السلعة لكن تم إكمال تهريبها من قِبل بريطانيا.

في وقت لاحق، أصبح المشروب الصيني أحد رموز الوجاهة البريطانية، فقد قام المستكشفون و المستعمرين الأوائل بالانتقال للغابات والأراضي الزراعية الكبيرة  الجديدة يحملون معهم العديد من الحاجيات الموضوعة في أكياس ضخمة، جزء لا بأس منه كان مخصص لتلك الأوراق المجففة (الشاي)، وهناك قاموا بتعريف الناس والسكان الأصليين في تلك المناطق على هذه العادة الجديدة في محاولة منهم لإكسابهم هذه المهارة، غالبيتهم كانوا في الأراضي الاسترالية والكندية.

 أحد هؤلاء المستعمرين الأوائل هو جون وليامز، عمل كمبشر في القرن التاسع عشر في جزر جنوب المحيط الهادي،يذكر لنا بأن أول خطوة لعمل حوار مع السكان الأصليين كان من خلال تأسيس عادات حضارية مثل شرب الشاي وبتفصيل أكثر يقول وليامز “عندما يصبح لديهم شاي سيرغبون بالسكر ومن ثم بأكواب الشاي وطاولة تحمل تلك الأكواب و لتكتمل العدة حتمًا سيقومون بشراء المقاعد”. والرغبة الشديدة لشراء تلك البضائع ستحفزهم للعمل حتى يستطيعوا امتلاك النقود اللازمة. وبهذه الطريقة نجد أن الشاي كان الطعم لجذب السكان الأصليين للاقتصاد الرأسمالي.

في بداية القرن التاسع عشر قامت شركة الهند الشرقية بالبحث عن أماكن أكثر آمانًا لأنتاج سلعتها الأكثر ربحًا، ووقع الأختيار على زرعها في الهند، في هذه الأثناء تم تحويل عملية إنتاج الشاي من حرفة إلى صناعة،وتم التعاقد مع عمال بأجور معينة من أجل التشغيل، أولئك العمال لم يعيشوا في ظروف طبيعية فالعصابات تحيط بمصانع إنتاج الشاي مهددةً بذلك حياتهم. ومع مرور السنوات خسرت الصين مكانتها في تصدير الشاي إلى بريطانيا لصالح الهند وسيرلانكا وشرق أفريقيا والذي أُسس في تلك الأماكن من قِبل المستعمر الأبيض أيضًا. 

إذا تحدثنا قليلًا عن تأثير الشاي على البلاد المصدرة له كالهند، يمكننا ذكر أن الهنود اعتبروها عادة غربية دخيلة، وكنوع من المبادرة لترغيب الشعب بها قامت الشركة الهندية للشاي بدخول السوق عن طريق أفكار إبداعية فتم وضع كشكات لبيع الشاي داخل المكاتب الحكومية والمصانع وتم تحويل سكك القطارات وتخصيصها لعربات نقل الشاي. وأصبحت محلات بيع الشاي متواجدة في كل مكان وأصبحت منطقة التقاء للمواطنين الهنود من مختلف الطوائف والعقائد لقراءة الصحف وعقد مناقشات سياسية كل ذلك يأتي تزامنًا مع شربهم لكأس من الشاي الممزوج بالحليب.

 لم يأتي القرن العشرين إلا وكان قد بنى الشاي أواصر ترابط بين العديد من شعوب العالم، حتى أصبح عادة يتبعها الكثير من الناس في مختلف أنحاء المعمورة.

 


 

*هذه المقالة نشرت في مجلة BBC World Histories العدد التاسع، لتصفح وشراء العدد هنا

النفط

هذه المقالة جزء من سلسلة مقالات مترجمة تلقي الضوء على موارد طبيعية غيرت من شكل الحياة

 

gettyimages-3296822-594x594

First oil well Derrick invented by Edwin L. Drake

منذ العصور القديمة والبشر قد ألتقوا بمادة سوداء تخرج من باطن الأرض وتسبب في حدوث حرائق من الصعب إخمادها، حتى أتى العام 1859 بشيء مغاير فتمكن الإنسان من حفر أول بئر للنفط الخام التجاري في بلدة تيتوسفيل الواقعة في ولاية بنسلفانيا. أحتار رواد الأعمال والمخترعين كثيرًا في كيفية  إيجاد استعمالات تجارية لهذا السائل فتم تكريره لمادة الكيروسين للاستفادة منه في إضاءة المصابيح، ومرة أخرى وهب لهم هذا السائل منتجًا آخر يمكن الأستفادة منه فقد لاحظ العمال أثناء عمليات الحفر تكون مادة شمعية على الحفارات كانت تعمل على تخفيف الأحتكاكات فتم الأستفادة من هذا الزيت المخفف والذي عُرف فيما بعد بالجل النفطي (أو كما أصبح شائعًا تحت مسمى الفازلين). 

في بدايات القرن العشرين ومع بداية انتشار محركات الاحتراق الداخلي، عوضًا عن المحركات البخارية والتي كانت شائعة الأستعمال والتي عُرفت بوجود غرفة احتراق خارجية للوقود، تم نقل المجتمعات والاقتصادات العالمية إلى مستوى آخر، تلك المحركات والتي تستعمل النفط الخام كوقود لها أحدثت ثورة هائلة في نظام السفر بمختلف طرقه أن كان بالسيارة أو الطائرة. المجتمعات الغربية الصناعية بدأت في الاعتماد كليًا على النفط في الصناعات المختلفة ولم يأتي العام 1945 حتى أصبح العالم يتلقى تسهيلات لتكرير النفط الخام ليصبح بذلك العامل الحيوي والضروري لأي مجتمع مهتم بتطوير عمليات النقل والصناعة وخلق مجتمعات حديثة وعصرية. 

سهولة الحصول على الجازولين جعلت نمو الطبقة الوسطى أسهل بكثير خصوصًا لمن يعيش خارج المدن، ففي الولايات المتحدة تم إنشاء مكون جديد في المجتمع يقع بين المدني والريفي. أصبح السفر عبر العالم سهلاً وفي متناول الجميع وتنقل البضائع عبر المحيطات والقارات صار ممكنًا. كذلك صار بمقدور الشركات إدارة مصالحها بسرعة وفعالية أكبر على بعد مسافات بعيدة، والسياحة العالمية قربت الثقافات بعضها ببعض والهجرة بين البلدان أصبحت أقل خطورة و بمرونة أكبر. وبعد الخراب الذي حل بأوروبا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبح البترول أساسيًا في عملية إعادة الإعمار للكثير من البلدان المتضررة.

للنفط أيضًا أهمية استراتيجية والمتعلقة في العمليات الدفاعية، فمع اشتداد الحرب الباردة أصبحت عمليات استخراج النفط ضرورية لرفع اقتصاديات البلدان ومن أجل رخاء أكبر للمجتمعات. الطلب على البترول ارتفع بشكل كبير  في منتصف القرن العشرين للحاجة الكبيرة إليه في توليد الكهرباء وتشغيل محركات المصانع، في هذه الأثناء بدأ العالم يتجه للاعتماد على المواد البلاستيكية المصنوعة من النفط، و كدليل حي على هذا نصف عمليات تكرير النفط في الولايات المتحدة تتجه لصناعة المنتجات كالبلاستيك مثلاً عوضًا عن وقود المركبات.

قام النفط بتحويل مجتمعات بأكملها خصوصًا من تشتهر بوفرة الإنتاج على أراضيها مثل المملكة العربية السعودية وفنزويلا والعراق وإيران، أصبحت هذه الدول حديثة وتم تطوير التعليم فيها، بعد اعتمادها من قبل على الحياة البسيطة والزراعية. لكن الاعتماد الكلي على النفط  قد يؤدي إلى عواقب وخيمة كما حصل في فنزويلا عند انخفاض أسعار النفط عام 2015 وبسبب إهمال الحكومة نفسها باتخاذ إجراءات إصلاحية تم تعريض الكثير من الناس لمواجهة الفقر وقلة توفير الحاجات الأساسية للحياة الطبيعية.

كما جرت العادة مع أهمية المورد تخرج الصراعات والاختلافات أحدها كان في العام 1951 عندما نشأ خلاف حول إيرادات النفط بين بريطانيا وإيران، تفجرت تلك المواجهة وأصبحت علنية عندما قامت إيران بتأميم شركة تعود ملكيتها لبريطانيا وتعرف ب (Anglo-Iranian)، سميت لاحقًا BP، رفضت الشركة البريطانية التخلي عن أصولها فقامت إيران بطرد المواطنين البريطانيين من أراضيها. كان الرد البريطاني عنيفًا بحصار فُرض على النفط الإيراني، ذلك الحصار أستمر لحين حدوث انقلاب على حكومة رئيس الوزراء محمد مصدق بدعم بريطاني وأميركي  في العام 1953 واستبداله بقائد يتوائم مع سياسة البلدين.

السيطرة على مصادر النفط كانت أحد أسباب اندلاع حرب الخليج الثانية 91-1990. السبب الأول الذي كان صدام حسين يستخدمه لاحتلال دولة الكويت هو رفع كميات إنتاج النفط من قِبل الكويت مما أدى لإنخفاض الأسعار في الوقت التي كانت فيه العراق بأمس الحاجة لبقاء الأسعار مرتفعة بعد انتهائها من حرب دامت ثمان سنوات مع إيران، العراق لم تكتفي بهذا السبب بل أدعت أن الكويت تقوم بسرقة نفطها عبر الحدود فيما بينهما. بعد احتلال الكويت أصبحت العراق مهيمنة على ما يقرب من 20% من مصادر النفط في العالم وجنودها تقف على مسافة قريبة من الأراضي النفطية في المملكة العربية السعودية.  ظل صدام حسين يطلق تهديداته لتوسيع امتلاكه على حصص النفط في الشرق الأوسط ، وعلى ضوء كل تلك الأحداث تبنت الأمم المتحدة عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت.

من الواضح أن للنفط تأثيرات عديدة ومتناقضة أحدها يتعلق بتلوث الهواء والتسبب في ضرر بالغ تجاه البيئة والآخر النمو الهائل في اقتصادات البلدان وتطوير المجتمعات. في وقتنا الحاضر اتجهت العديد من وسائل النقل لاستخدام بطاريات كهربائية مسؤولة عن تشغيل تلك المركبات من الممكن أن تزيح هذا المورد بعيدًا لكن ليس في المستقبل القريب.

 


 

*هذه المقالة نشرت في مجلة BBC World Histories العدد التاسع، لتصفح وشراء العدد هنا

السكر

هذه المقالة جزء من سلسلة مقالات مترجمة تلقي الضوء على موارد طبيعية غيرت من شكل الحياة

 

Corte de Canna. – Gathering Sugarcane. Cuba, 1900. Artist: Unknown. (Photo by The Print Collector/Getty Images))

من الصعب تخيل طاولة طعامنا من دون وجود عنصر السكر فيها، فقد وصل إنتاج السكر في وقتنا الحاضر لأعلى مستوياته، فالعديد من الدول فاقت كميات ما تنتجه من سكر الرقم 180 مليون طن كل عام. ونتيجة لذلك أصبح السكر عنصرًا أساسيًا لعاداتنا الغذائية اليومية، نضيفه إلى مشروباتنا الساخنة ليكتسب نكهةً شهية وإذا أردنا تحلية الأكل المر الغير مستساغ أكله لنجعل منه طبقًا محببًا. الطبقان السابقان كان لنا اليد العليا في إدخال السكر ضمن مكوناته  لكن أكبر الكميات المضافة تحدث بعيدًا عن أعيننا داخل الأكل المصنع والمشروبات المعلبة. ومع كثرة استهلاك السكر بدأ الناس يستشعرون خطورته و الأضرار المترتبة على تناوله.

لقرون كان العسل هو المحلي الأساسي إذا أراد شخصٌ التمتع بذلك المذاق الجميل إلى أن حل القرن السابع عشر ليبرز عنصر آخر ويهيمن على هذا المجال من دون منازع إلا وهو قصب السكر، أضيف إليه فيما بعد، تحديدًا في القرن التاسع عشر، سكر البنجر لتأتي بعدها المحليات الصناعية وعلى رأسها شراب الذرة. في تلك الأثناء بدأ العالم في استساغة تلك النكهات المحلية والاعتياد عليها واستغلت مصانع السكر تلك الحاجة لإشباع تلك الرغبات. 

قبل تطوير وتأهيل مستعمرات السكر (الأراضي الزراعية المخصصة لها في جزر الأطلسي مادييران و ساو تومي وفيما بعد الكاريبي والبرازيل ) كانت تكلفة تصنيعة عالية جدًا، وتم تمكين تحويل السكر إلى منتج رخيص وذو شهرة واسعة في أوروبا والعالم أجمع فيما بعد ومن خلال جهود العمال الأفارقة في الأراضي الخصبة. وجه العالم بدأ يتغير نوعًا ما خصوصًا في التأثير الأفريقي الكبير على جزر الكاريبي والبرازيل فأصبحت القارة الأميركية صورة مصغرة من أفريقيا من خلال هيئة سكان محليين يرتدون الملابس الأفريقية مصاحبة مع عاداتهم وثقافتهم الخاصة.

عمل السكر على فرض تنقلات هائلة للعديد من البشر مع تبعات ثقافية وسياسية مازال تأثيرها إلى يومنا الحاضر، ومع توسع انتشار العبودية  في أوائل القرن التاسع عشر زاد استقدام العمال من مناطق أخرى إلى جزر الكاريبي والمحيط الهندي فتم توطين العديد من الصينيين في كوبا واليابانيين في هاواي والهنود في شرق وجنوب إفريقيا وسريلانكا وجزر فيجي. 

وكنتيجة للعمل الإجباري للعديد من المستعبدين الأفارقة أصبح السكر الرخيص في قيمته متواجد على طاولة الأشخاص العاديين وليس محصورًا على طبقة معينة ومع زيادة أعداد مستهلكي السكر ظل اعتقادهم السائد أنه طعام منتج للطاقة ولكن يتضح فيما بعد أنه يسبب بضرر كبير على الأسنان.

كما هو معروف فالعبودية لم تكن يومًا مخصصة للأعمال الملزمة لإنتاج السكر ولكن هذا المجال هو الذي تسيد وصمم نظام العمل الخاص بالعبودية في المستعمرات الأميركية. تلك الصناعة لم تلحق الضرر بالعمال الأفارقة بل أيضًا بالنظام البيئي وأماكن العيش، فمن خلال الطريقة المتبعة في مزارع السكر والمعروفة بالتقطيع والحرق حُولت الكثير من الغابات المطيرة والأراضي الخضراء الشاسعة إلى دخان من أجل إنتاج كميات السكر اللازمة. هذا الدمار البيئي مستمر إلى يومنا الحاضر وملاحظ بشدة في منتزه ايفرجليدز الوطني في ولاية فلوريدا والمسبب الرئيسي له هو التوسع في أراضي السكر. 

طورت موانئ أوروبا وأميركا الشمالية مصافي للسكر وأصبحت بذلك السلعة الأكثر طلبًا من قِبل عامة الناس. لم يحل نهاية القرن الثامن عشر إلا وأصبح غالبية البشر من الفقراء يستهلكون السكر بكميات كبيرة ففي بريطانيا مثلًا اعتادوا أضافته على الشاي وفيما بعد على المربى بينما في الولايات المتحدة وتحديدًا في القرن التاسع عشر كان إضافة السكر عادة ملازمة لمن يشرب القهوة البرازيلية المرة. أما أيامنا الحاضرة فيتم إضافة السكر إلى المشروبات المرة كالقهوة والشوكولاته والشاي.

 

الأهمية الإستراتيجية للسكر:

بإمكاننا اعتبار السكر في ذلك الوقت كأهمية النفط في القرن العشرين فالدول الأوربية قاتلت بعضها بعض في أواخر القرن السابع عشر من أجل الاستيلاء على الجزر الغنية بالسكر ولم يكتفوا بذلك بل أيضًا بالسيطرة على الطرق المؤدية من وإلى تلك الأراضي. أما الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر فاعتبرت بلاد الكاريبي حديقتها الخلفية وأصبحت عدوانية في ما يتعلق بمصالحها المتعلقة بالسكر في كل من سانتو دومينكو (تعرف حاليًا بجمهورية الدومينيكان) وبورتوريكو وفي مقدمتهم جميعًا كوبا، على مدى عقود نشأت علاقات معقدة ومتوترة بين هذين البلدين وبداية الشرارة كانت في تلك الأيام والمرتبطة بالسكر. في أواخر القرن العشرين أصبحت المنتجات السكرية مخادعة نوعًا ما فلم يصبح السكر بشكله المعتاد في الأكياس المعقودة واللازم أضافتها من قِبل المستهلك نفسه  بل أصبح غير مرئيًا ومتواجدًا بشكل كبير في العديد من الأطعمة والمشروبات التي تأخذ من السوبر ماركت، وأصبحت الأسر تشتري أقل ما يمكنها من السكر ومع ذلك وصلت لمراحل متقدمة في استهلاكه لم يسبقها أي جيل آخر في هذه العادة.

تلك الزيادة الخفية في استهلاك السكر لفتت انتباه المختصين بالصحة وعلماء التغذية وخبراء الطهاة ومؤخرًا العديد من السياسيين إلى تلك المعضلة الكبيرة والتي تمثلت في ظهور ظاهرة لا يمكن التغافل عنها يجزم الكثير على ربطها بالاستهلاك الكبير للسكريات، البدانة.

في انجلترا على سبيل المثال ازدادت حالات خلع الأسنان للأطفال أو من هم دون الثامنة عشر وأصابع الاتهام كلها تشير إلى نوعية الأغذية والمشروبات المليئة بالسكر. كل تلك الأحصائيات أدت إلى اتخاذ إجراءات بشأن تقليل استهلاك السكر، ففي بريطانيا مثلًا أضيفت ضريبة خاصة بهذا المنتج تعرف بضريبة السكر، لكن مع كل تلك السلبيات المتعلقة باستهلاك السكر يظل أكبرها على الأطلاق بما  هو متعلق بمنتجات التبغ، فكما هو معلوم تتم صناعة تلك المنتجات بإضافة كميات غير بسيطة من السكر إليها لتساهم هي الأخرى في كل ما تسببه تلك المنتجات من مضار صحية لمستهلكيها.

المذاق الحلو والذي يعجب الكثير من البشر كان في بدايته على هيئة عسل لينتقل بعدها إلى قصب السكر ومع هذا التحول الكبير ظهرت لنا مشاكل صحية لم توجد من قبل ومشاكل إجتماعية أيضًا. إذا أردنا اختصار تاريخ السكر في عبارة واحدة ستكون “التاريخ الحزين للسكر نقلنا من تجارة العبيد إلى البدانة.”

 


*هذه المقالة نشرت في مجلة BBC World Histories العدد التاسع، لتصفح وشراء العدد هنا

التاريخ في أرقام

25%
يذكر لنا التاريخ أن الحرب الأهلية الأنجليزية في القرن السابع عشر قدمت الكثير من الرجال المقاتلين من أجل القتال أما إلى طرف الملكية أو البرلمان مما أدى إلى تفكك دول المملكة المتحدة (إنجلترا-إسكتلندا-إيرلندا).
المؤرخ تشارلز كارلتون قام بحسابات خاصة بهذه الحرب تلخصت بأن الأنجليز الذين قتلوا كانوا أكثر بكثير ممن ذهبوا ضحايات أبان الحرب العالمية الأولى و25% من الأنجليز شاركوا فيها (أما للملكية أو البرلمان) مرة أو أكثر.
لأمكانية التوضيح بشكل أكبر نذكر لكم مثال قرية مايدل في شرويشاير ومن خلال بعض كتابات الجندي ريتشارد قوه والتي كتبت في الفترة مابين العام 1700 و 1706 يخبرنا فيها ” من هذا الثلاث القرى, مايدل – مارتون – نيوتاون ذهب على الأقل 20 رجلاً, قُتل منهم 13 في هذه الحرب”, قوه يذكر أيضاً أسماء أولئك الرجال الذين خاضوا الحرب بغض النظر سواءً قتلوا أم لا “ريتشارد تشيلنور, ذلك الشاب كان قد خاض معركة إيدجيل في الـ 23 من أكتوبر من العام 1642 ولم يسمع عنه منذ ذلك اللحين ومما يجعل تجربة قرية مايدل ملفتة للنظر وكلها بفضل كتابات قوه عنها هنالك أضافة أخرى عليها عن شاب يدعى جون مولد “وقد أصابته رصاصة بندقية في ساقه مما أدى إلى كسر العظمة فمثل هذه الأصابة ستظل تذكره بتلك اللحظات العصيبة طوال حياته وكتعويض للأثر الذي خلفته الحرب قدمت السلطة البرلمانية تعويضات مالية لجنودها ممن خدموا تحت رايتها تاركين من شاركوا تحت راية الملك خالين الوفاض ولكن الحال أنقلب في العام 1660 عندما أسترجع الملك تشارلز الثاني قواه وسيطرته للأمور أمر بصرف تعويضات اقتصادية لمن حاربوا تحت رايته تاركاً الآخرين يعتمدون على المعونات والمساعدات الخيرية”.
كتابات قوه أعطت المؤرخين نظرة أخرى للحرب بأعين جنود بسطاء في حقبة كانت الكتابة وتدوين المعلومات التاريخية حكراً على النبلاء والطبقة العليا.
ونختم لأقتباس من قوه نفسه “إذا كان هنالك العديد من القتلى ممن قدموا من تلك الضيع الثلاثة فحتماً هنالك الآف ممن قتلوا في بقية أنحاء أنجلترا”

1000$
في العام 1940 قام فريق من العلماء بقيادة الصيدلي هاوارد فلوري بإكتشاف طريقة لأستخراج البسلين من محلول مخفف جداً أُنتج بواسطة قالب البنسيليوم, وبعد إثبات قدرات هذا المركب على شفاء الفئران المصابة, قام الفريق التابع لجامعة أوكسفورد بإجراء التجارب على البشر وكانت النتائج مذهلة ولكن قُوبل هذا الأكتشاف بالإهمال فأخذت عينات بسيطة وتم نقلها للولايات المتحدة الأمريكية لمناقشة أمكانية تصنيع هذا المستحضر مع الحكومة الأمريكية وقد تم لهم ما أرادوا,فالعام 1943, بعد أجراء بعض الأختبارات على المرضى صرحت الولايات المتحدة بإنتاج هذا الدواء وحددت قيمته بـ 200 دولار لمليون وحدة أي ما يعادل 1000 دولار للأونصة في وقت كانت قيمة الذهب تعادل 35 دولار للأونصة.
النقلة الكبرى حدثت بعد التطورات التي أدخلت على صناعة البنسيلين, مثل ما قامت به بعض شركات الدواء كـ PFIZER حيث قررت انتاج البنسيلين على حمالات ضخمة داخل أوعية بما معناه ان صهريج واحد سعته 10000 غالون بإمكانه انتاج بنسيلين يستطيع أن يملأ 60000-70000 علبة مياه من حجم 2 لتر.
تأثير هذا التقدم الهندسي تعزز بعد الكشف عن سلالة جديدة من البنسيليوم في العام 1943 وتتميز بكونها ملائمة للنمو داخل تلك الأوعية العميقة, هذه السلالة كشفت في ميلون إلينوي بواسطة تقني عرف فيما بعد بإسم مولدي ماري.
في العام 1945 شركة أمريكية متخصصة بالصيدلة تدعى MERCK تقم ببيع البنسيلين بـ 6000 دولار للمليون وحدة, في هذه الأثناء مازالت أوروبا تفتقر إلى البنسيلين, بعد ثلاث سنوات سعر البنسيلين أنخفض إلى النصف بعد إكتشاف البروسين بنسيلين (بودرة بيضاء تستعمل في التخدير الموضعي), في هذه الأثناءبعد الأنتهاء من الحرب العالمية الثانية قررت بريطانيا إنشاء مصنعين لأنتاج البنسيلين, أصبح بعدها هذا الدواء مطلباً ملحاً من جميع الأشخاص.
17

مد

الآلاف من النساء في الحقبة الإدواردية أصبحن سياسيات أثناء الأنتخابات البرلمانية, وكنظرة اولى خاطفة على الوضع كان هنالك 17 امرأة ممن أستطعن خوض تلك الأنتخابات في أواخر العام 1918 (وهي الأنتخابات الأولى التي سمح فيها للمرأة المشاركة كناخب ومرشح.
في البدء أعلن عن السماح للمشاركة الشعبية في البرلمان بموافقة ملكية في تاريخ السادس من فبراير من عام 1918 ولكن لم يكن هذا القرار واضحاً تجاه مشاركة المرأة من عدمها, وعلى ضوء هذا قرر الأئتلاف الحاكم وضع شروط لمشاركة المرأة سنت فيما بعد كقانون بتاريخ الحادي والعشرين من نوفمبر من العام نفسه, على بعد 3 أسابيع تقريباً من الأنتخابات وبمدة أقصاها أسبوعين تقريباً لتحديد قائمة الأسماء المرشحة, أي انه خلال هذه الفترة الوجيزة يجب على المتقدمات للترشح الأنتخابي عمل الآتي: الترشح-اختيار مفتاح انتخابي-اعتماد السياسة الأنتخابية-طمأنة الناخبين-جمع التبرعات-تنظيم اجتماعات ودعايات انتخابية والأهم من كل هذا تقرير ما أذا كانت تنوي الدخول لمعترك السياسة كمرشح مستقل أو تابه لأحد التكتلات المشهورة.
من الـ 17 مرشحة للأنتخابات قبلت تراشيح تسعة منهن وكانت كريستبل المرأة الوحيدة التي تلقت الدعم من الأئتلاف الحاكم لكنها خسرت مقعدها لصالح مرشح حزب العمال بـ775 صوت.
امرأة واحدة هي من استطاعت اجتياز الأنتخابات البرلمانية هي كونستنس ماركيفيتش ولكن كونها عضورة في جماعة سن فاين رفضت أن تؤدي القسم أمام الملك البريطاني وبالتالي لم تستطع أخذ مقعدها في البرلمان.

هذا المقال نشر في مجلة BBC HISTORY MAGAZINE


أماكن في حياة جين أوستن

1)Sydney Street, Bath:

جين أوستن 1                       

في عام 1801م كان والد جين قد أحيل إلى التقاعد بعد خدمة تزيد على 35 سنة ككاهن في كنيسة بلدة ستيفينتون. في هذه الحالة قرر الوالدة الأنتقال من البلدة وبدأ حياة جديدة في بلدة أخرى أخذ عائلته وغادر المكان متوجهاً لقرية باث.

هذا الأنتقال أثر على شخصية جين العديد من المؤرخين والباحثين يؤكدون أن هذه النقلة كانت كالصدمة عليها مما جعل شخصيتها خجولة وفاقدة للثقة. ولكن على كل حال البلدة لم تكن بذلك السوء بل على العكس لطالما أحبت جين منزل العائلة في شارع سيدني, ولو ألقينا نظرة على مختلف النشاطات التي كانت جين تقوم بها لطالت القائمة منها على سبيل الذكر الحفلات الموسيقة في حديقة البلدة Sydney Garden المصاحبة للألعاب النارية ولامانع من القيام ببعض الرحلات القصيرة إلى الواجهة البحرية.

بعد وفاة الوالد عام 1805م قامت العائلة بتأجير المنزل عدة مرات, لكن قبل هذه المرحلة قامت جين برحلات كثيرة لديفون و دورست ومن خلال تلك الرحلات القصيرة تلقت جين أول عرض للزواج من قِبل هاريس بيج ويذر, وكحال بطلتها في رواية “كبرياء و هوى” اليزابيث والتي كانت ترفض الزواج من غير الوقوع في الحب, في البدء أبدت موافقة مبدئية ولكنها تحولت إلى رفض في اليوم التالي مباشرة.

منزل رقم (4) شارع سيدني, في هذا المكان أقامت عائلة جين بين عامي 1801 و 1805 م, موجود إلى الآن حيث عاشت جين وشخصياتها الخيالية يمكنك زيارته في أقرب فرصة ولاتنسى أيضاً حديقة البلدة لتطلع على المكان الذي كانت تمضي فيه جين ساعات طويلة.

2)Sidmouth, Devon:

جين أوستن 2

تعرف بجوها المعتدل وهواءها البحري المنعش, يوم جين أوستن في سيدموث كان جله تقريباً في منتجع ريجنسي الخلاب ولكنه لم يكن يضاهي في جماله منتجعات قريبة منه كـ Lyme Regis, Weymouth . الدلائل جميعها تشير إلى أن جين زارت سيدموث خلال عامي 1801 و 1802م وفي هذا المكان تحديداً قابلت رجل شاب قد أغرم بها وكان يأمل بأن تستمر العلاقة لتنتهي بالزواج ولكن كما أوضحت لنا رسائل كاساندرا من جين أن الشاب قد توفي وبسبب تلك الحادثة المؤلمة أصبحت جين فاقدة الأمل فيما يتعلق بالسعادة الزوجية.

بيرن تتحدث عن جين وتقول ” زيارات جين المتعددة إلى ديفون ودرسيت جعل البحر من الأشياء المحببة والقريبة إلى نفسها” وتستطرد قائلة ” الواجهة البحرية كان من الثيمات المميزة في روايتيها الأقناع و Sanditon  (الرواية الأخيرة التي لم تنهيها جين), الصخور الوردية والمنحدرات الصخرية ذات الواجهة العلوية لبلدة سيدموث جميعها كانت إلهامات تثير جين وتحفزها على الكتابة.

سيدموث في يومنا الحاضر لم تتغير كثيراً, بالطبع لم تعد تحتاج إلى العربة ذو ألابع عجلات كي تصل إليها, لاتنسى أن تمر على The Bedford Hotel  والذي كان في أيام جين عبارة عن مكتبة في المنتزة. أما مبنى ريجنسي مازال محتفظ بعراقته.

3)The Cobb, Lyme Regis:

جين أوستن 3

ليم ريجز في دورسيت (Dorset)  واجهة بحرية أخرى طاب لجين الأقامة بها تبعد حوالي 16 ميلاً عن بلدة سيدموث (Sidmouth)  إلى الشرق.

قامت جين بزيارة البلدة في صيف عام 1804م مع عائلتها, بقي معها فقط والداها بعد مغادرة شقيقتها كاساندرا وشقيقها فرانك إلى بلدة Weymouth  وعن طريق الرسائل التي كانت تكتب لكاساندرا علمنا بولع جين بالحمام البحري. كشخصية أوستن الكوميدية Mrs.Bennet في رواية  (كبرياء وهوى) ” القليل من ماء البحر لتنظيف جسمك سيجعل منك نشيطاً للأبد”, رسالة أخرى كُتبت إلى شقيقتها كاساندرا في سبتمبر 1804م تقول فيها ” أخذت الحمام الصباحي هذا اليوم في البحر كان ممتعاً, مولي مازالت تصر علي بالبقاء هنا مدة أطول وأنا على وفاق معها بضرورة بقائي في هذا المكان”.

4)Stoneleigh Abbey, near Kenilworth:

جين أوستن 4                       

بُني هذا المنزل بطريقة مشابهة لمنزل Chatsworth في مقاطعة Peak  . Stoneleigh Abbey هي مقاطعة اهل والدة جين لأكثر من 400 سنة. زارت جين ووالدتها مع شقيقتها المنطقة في عام 1806م بعد مدة قصيرة من وفاة والدها بغرض المحافظة على ميراث قريب لهم يدعى توماس لي في بعض ملكيات الأراضي.

من الواضح أن منطقة Stoneleigh Abbey كان لها أثر كبير في نفوس النساء الثلاثة كما تذكر هذه الرسالة, والتي كُتبت بواسطة والدة جين إلى زوجة ابنها في عام 1806م ” لقد توقعت مسبقاً بأن المكان ممتاز ومريح ولكن لم تكن لدي أي فكرة عن جماله, المروج الخضراء المرنبطة بأشجار الخشب الكبيرة, والتي صنعت لنا مماشِ مريحة للنفس”.

Stoneleigh Abbey مفتوح للعامة والمنزل المرتبط بجين أوستن يمكن مشاهدته في أقصى شمال Derbyshire  أما المنزل Chatsworth فيعتقد بأنه مصدر إلهام لمنزل السيد دارسي Pemberley في رواية “كبرياء وهوى”.

5)Netley Abbey, near Southampton:

جين أوستن 5

وفاة جورج أوستن عام 1805م كان له تأثير عميق على جين وعائلتها, على أقل تقدير من الناحية المادية. جين (مع أمها وشقيقتها) غادرت باث لتستقر مع شقيقها الضابط البحري فرانك في ساوتهامبتون Castel Square والذي يتميز بموقعه المميز حيث يكفل بتوفير منظر بحري خلاب والقرب الشديد من جميع فعاليات وأنشطة البلدة.

“منذ انتقالها إلى ساوثهامبتون, جين مرة أخرى تصبح قريبة من البحر. وقد قامت بجميع النشاطات الممكنة والتي أتيحت لها فرصة الخوض فيها” بيرن متحدثة عن جين وتكمل قائلة ” لقد أحبت المسارح والممشى, حتى أنها قامت بركوب العبارة لقطع نهر Itchen لترى كيفية بناء السفن الحربية في نورتهام. وأيضاً رؤية أطلال العصر القوطي لمنطقة  Netley Abbey.

كتبت جين لكاساندرا عن رحلة نهرية في عام 1808م ” كانت لدينا بالأمس حفلة مائية, أنا واثنين من أقربائي ذهبنا بالعبارة في نهر Itchen لنصل إلى نورتهام حيث كانت السفينة الحربية 74 ترسو, وعدنا إلى المنزل مشياً على الأقدام, كان يوماً ممتعاً”.

منطقة  Netley Abbey ألهمت الكثير من الشعراء, الرسامين والكتاب ليبدعوا كلاً في مجاله وهذه المنطقة أيضاً ألهمت أوستن لعمل روايتها القوطية الساخرة ” Northanger Abbey”.

 

 

6)Carlton House Terrace, London:

 جين اوستن 6                       

شقيق جين أوستن المفضل هنري هو بلا جدال من أكبر المؤثرين في مسيرتها الكتابية وذلك من خلال تنصيب نفسه كوكيل أدبي لها ووضعها في الأتجاه الصحيح عند زيارتها لعدة ناشرين في لندن. هنري يمتلك بالمشاركة بنك في شارع Henrietta في منطقة Covent Garden , وعاش خلف هذا المبنى بعد وفاة زوجته.

بيرن تقول ” جين أحبت المنطقة, واعتقد بأنها وجدت راحة مبهجة في المكان الجديد, زارت عدد من المسارح كعادتها, وصححت بعض الحقائق المتعلقة بروايتيها “كبرياء وهوى, العقل والعاطفة” وأخيراً التقت بالناشر الخاص بها.

كتبت لكاساندرا في عام 1813م عن الأستعراض الخاص بمركبات البروشة في لندن. هنري فيما بعد غادر إلى منزل جديد هو 23 هانس, لكن في هذه الأثناء وقبل الأنتقال جين تلقت دعوة من الأمير ريجنت لزيارة مكتبته في محل أقامته في لندن, منزل Carlton, جين كانت مستعدة لتلبية الدعوة ولكن متخوفة , كما أشارت بيرن فيما بعد, لأن الأمير كان يود أخذ أذن منها لكي تخصص روايتها القادمة إيما إليه. أوستن كانت تمقت الأمير, بل وكانت مغتاظة بأن تخصص له أهداء على غلاف روايتها ليظطر الناس لقرائته.

هذه النسخة حالياً متوفرة في المجموعة الملكية وكتبت على غلافه هذا الأهداء (مضطرة):

“إلى صاحب السمو الملكي الأمير ريجنت . هذا العمل أقيم بإذن من سموه ونابع من أحساسه بالواجب ويدل على كرمه وتواضعه .

الكاتبة”

المنزل هانس رمم بينما منزل Carlton هُدم في عام 1825م وأستبدل بمنزلين مصنوع من الجص الأبيض ذو باحة مرصوفة تعرف حالياً بأسم Carlton House Terrace.

7)50 Albemarle Street London :

جين أوستن 7

مجمل سنوات أوستن ككاتبة تنشر أعمالها هو سبع سنوات فقط لكنها كانت سنوات حافلة بالعديد من الأعمال العظيمة كـ (كبرياء وهوى, عقل وعاطفة, حديقة مانسفيلد), كانت تقوم في البداية بالتعامل مع الناشر توماس إيقرتون لكنها في العام 1815م قررت أتخاذ قرار جريء بالتخلي عنه لصالح الناشر جون موراي.

موراي كان من الناشرين المتباهين بنوعية العملاء المتعاملين معه كاللورد بايرون وأصدقاء كوالتر سكوت.تقول بيرن عن هذه المرحلة من حياة أوستن ” رأينا أوستن كسيدة أعمال داهية لم تكن مكتفية من نموها على الصعيد المهني مع توماس إيقرتون خصوصاً عندما كان غير متخمس لنشر نسخة ثانية من رواية حديقة مانسفيلد, فقررت التخلي عنه وشق طريقها الأدبي بنفسها”.

في هذه الأثناء كان أفضل الناشرين وأعلاهم شأناً في البلاد – جون موراي-  يراهن على أوستن ويضع نصب عينيه عليها حتى أصبحت أول روائية يقوم بنشر كتبها.

أوستن امضت معظم وقتها بين الأعوام 1809-1817م في لندن, وخصوصاً عند تدهور حالتها الصحية في عام 1816م.مكاتب جون موراي وجدت في العام 1768م وانتقلت إلى Albemarle Street في العام 1812م وبقيت على حالتها منذ ذلك الوقت. أرشيف جون موراي نقلت محتوياته بالكالمل إلى المكتبة الوطنية في اسكتلندا عام 2006م وتحتوي على كم هائل من الرسائل الخاصة وأوراق عمل بين الناشر والكُتاب.

8)Chawton, Alton:

 جين أوستن 8

في العام 1809م حين استقرت جين مع والدتها وشقيقتها في هذا المنزل ذو 6 غرف نوم مع بعض أصدقاء العائلة, لم يكن أحد يعلم بأنه سيكون آخر منزل ستقيم فيه قبل رحيلها إلى Whinchester في عام 1817م من أجل تلقي العلاج لمرض أصابها وتوفيت منه في نفس العام شهر يوليو.

تقول بيرن ” منزل  Chawton مهم في حياة جين, تلك الهدية من شقيقها إدوارد جعل هذا الكوخ مكاناً آمناً للعائلة, وفي هذا المكان كتبت جين جل رواياتها”

Chawton كان أيضاً المكان الذي أصيبت فيه جين بالمرض أول مرة وأستمر معها لغاية 18 شهراً حتى حانت ساعة وفاتها, كانت حريصة على الكتابة حتى آخر يوم في حياتها تذكر بيرن” كانت جين تنظم شعراً فكاهياً قبل ساعات من أن توافيها المنية”

الكوخ حالياً يعرف بمتحف جين أوستن وهو مفتوح للعامة والزوار ومازال بإمكاننا مشاهدة مكتب جين الخاص بالكتابة, مجوهراتها,رسائلها الشخصية ولحاف يدوي صنعته بمعاونة والدتها وشقيقتها كاساندرا”.

 

 

 

 نشر بواسطة مجلة BBC History Magazine

 

دليلك السياحي لمدينة مدريد عام 1621م

المدونة 5

متى تذهب؟

 

مناخ مدريد قد تغير بشكل كبير في السنوات الأخيرة فمنذ عام 1561م تم اقتتطاع العديد من الأشجار في الغابات الكثيفة لأجل توفير الحطب. القول السائد عن الوقت المناسب لزيارة المدينة هو ” تسعة أشهر قبل الشتاء وثلاث أشهر قبل الجحيم (يقصد به الصيف)”.

إذاً نستنتج أن الربيع هو أنسب الأوقات للزيارة أما إذا كانت زيارتك في شهر مايو فمن حسن حظك فسوف تصادف أفضل المواسم لمصارعة الثيران.

 

يجب أن تأخذ معك:

 

تقع مدريد على ارتفاع 2000 قدم فوق سطح البحر فبالتالي تكون أعلى عاصمة أوربية . على الطرف الآخر تحظى المدينة بكميات وافرة من أشعة الشمس كافية بأن تمدك بالطاقة اللازمة لتبقيك مستيقظاً لآخر الليل لتسهر مع المدريلينوس (سكان مدريد) ولكن كن حذراً فهنالك خطورة من التعرض لها بشكل دائم فحاول الأحتماء بالجلوس في الظلال.

نظراً لعدم توفر الطرق المرصفة سوف تحتاج إلى أحذية ملائمة لهذا الوضع, زوج من الأبوات متوسطة الطول ستفي بالغرض.  كاميلو بورخيس , الممثل البابوي السابق, يذكر ملاحظات للزوار القادمين لمدينته يتحدث فيها عن البيوت , “عادةً البيوت في مدريد تكون مصنوعة من الطين لاتحتوي لا على درج أمامي ولاحتى خلفي”.

أجعل آذانيك صاغية لصراخ عالي قادم من أحد المنازل قائلاًAqua Vai! والذي عادةً يسبق تفريغ أواعي المنزل بما تحتويه في الشارع.

 

التكلفة:

 

العملة المتداولة في مدريد هي الدوكاتية “الذهبية”. الفضة ايضاً تعتبر دارجة في عمليات الشراء حيث انها مقبولة في معظم المحلات وبإمكانك ايضاً إستعمال حزمة من الريالات لشراء بعض المقتنيات من سوق الحرف اليدوية ومحلات الخياطة ومجموعة من الأكشاك المتشابهة الشكل والمنتشرة بكثرة في ساحة مايور “Plaza Mayor” .

مدريد تقع في القلب التجاري النابض للمنطقة الإيبيرية, لديها ستجد جميع البضائع والسلع التي من الممكن توفرها فمثلاً لدينا سيوف قادمة من مدينة طليطلة, وسمك القد المجفف من إقليم الباسك, وهنالك القوارير المعبأة بالخمور من منطقة رايوخا والأقمشة المطرزة القادمة من الأندلس.

 

المعالم والنشاطات:

 

سكان مدريد أو المدريلينوس بطبعهم مهووسون بالمسارح, وهناك قصة يتداولها الناس فيما بينهم لملك إسبانيا فيلبي الرابع , والذي اعتلى العرش هذه السنة, عن كونه يتنكر بملابس أناس عاديين ليتمكن من حضور المسارح المفتوحة دون أن يكون هناك طاقم مرافق له, والجدير بالذكر انه في هذه الأثناء تعرض مسرحية فيليكس لوب دي فيجا Fuenteovejuna .

من أجل الفعاليات الثقافية لايعلى على مدريد في هذا المجال. مدريد تتألق بكونها في أوج عصرها الذهبي حيث تعتبر عاصمة أوروبا في الثقافة والفنون. النسخة الثانية من رواية دون كيخوت لـميغيل دثربانتس متوفرة للبيع في المكتبات وهناك أيضاً السوناتة الشعرية الساخرة والتي نظمت أبياتها بواسطة  فرانسيسكو دي كيفيدو و لويس دي جونجورا مع الإشارة إلى تحفة ديقو فيلزكويز “The Adoration Of The Magi.

هناك العديد من عروض مصارعة الثيران والمبارزة بالسيوف أو بالرماح بين الفرسان في ساحة مايور “Plaza Mayor .

 

المخاطر والأزعاجات:

 

مدريد اليوم تعتبر مدينة آمنة مقارنةً بما كانت عليه في السنوات القليلة الماضية, كانت الشوارع تعج بمثيري الشغب مما أظطرت السلطات لأتخاذ إجراءات حازمة من أجل السيطرة على الشارع من جديد, من أهم تلك القرارات: منع النزل من تقديم الطاولات والكراسي لأي مجموعة ذات نفوذ حكومي, منع أصحاب المطاعم من تقديم مأكولاتهم في الخارج. ولعل الهدف الأساسي من هذا المنع هو ردع أي أحتمال لأمكانية تجمع مجموعة من الناس في مكان واحد.

الزوار ليسوا معرضين من الآن وصاعداً لأي تحايل بشأن تخفيف الخمور المقدمة لهم بالماء, فقد صدرت عدة إجراءات تنظيمة وعقوبات رادعة لمن يقبض عليه بهذه التهمة وتقضي تلك العقوبة بتلقي مائة جلدة لمن قام بالتحايل.

 

وسائل الراحة:

 

تفتقر مدينة مدريد لتوفير أماكن راحة للسياح. على أي حال هناك عدة نزل مبعثرة قريبة من منطقة Moorish Quarter مثل منطقة  Posada del Leon de Oro ومنطقة  Posada del Dragon بإمكانها  توفير غرف نوم مريحة . لاتعرف هذه النزل بكونها فائقة الجودة بل على العكس تماماً فهي غير آمنة صحياً.

 

الأكل والشرب:

 

تحتاج إلى الكثير من الطاقة لتبقى على إطلاع بالحياة الليلية الصاخبة في مدريد. يوجد عدد كبير من الحانات بين ساحتي Plaza Trios de Molina و Plaza Santa Ana  بمايفوق عدد حانات النرويج مجتمعة.

يجب أن تجرب الطبق القشتالي الخنزير المشوي في أحد المطاعم الموجودة بالشوارع القريبة من Puerta del Sol . ملاحظة مهمة: سوف تشعر بالوحدة إذا قررت تناول العشاء قبل الساعة العاشرة مساءً.

 

المواصلات:

 

مدريد مهيأة بشكل كبير للمشي على الأقدام, فبإمكانك التجول من وسط المدينة عند منطقة Puerta del Sol  إلى أي منطقة مهمة  تحتوي على عدة نشاطات كل ذلك في عدة دقائق فقط.

ويجب الأنتباه والحرص على المصباح الزيتي خلال تجوالك في الليل بسبب عدم وجود أي علامات للطرق ولا للمنازل تساهم في إرشادك فخذ حذرك.

 

 

نشر بواسطة مجلة BBC History Magazine

يوم غير مجرى التاريخ 24-1-1848م (ثورة الذهب في كاليفورنيا)

المدونة 6

“جون ستر لديه حلم”

كرجل شاب ترك موطنه الأصلي سويسرا, هجر زوجته وخلف وراءه مجموعة من الديون لا تحصى من أجل البحث عن الثروة في العالم الجديد.

بعد وصوله إلى قارة أمريكا الشمالية, ارتحل مع مجموعة من المبشرين إلى أن استقروا في مقاطعة ألفا كاليفورنيا المكسيكية  وتعد من أكثر المناطقة خصوبةً في العالم,  هذا المكان لا يبعد كثيراً عما نعرفه في يومنا الحاضر بمدينة سكارامنتو, بدأ ستر هنا بالعمل اتخذ من الأرض مقراً لمشروع حيوي يحوي على عدة محلات ومعامل حتى ازدهر وتطور ليكون مركزاً زراعياً سماه فيما بعد بـ (سويسرا الجديدة).

في عام 1848م كان قد مرَ على مكوث ستر عقد من الزمان كانت المنطقة  تمر بمرحلة فاصلة وحاسمة في تاريخها كاليفورنيا لم تعد تحت الحكم المكسيكي فالجيش الأمريكي قام بإحتلالها وإعلانها كولاية أمريكية, ولكن ستر ظل بعيداً عن هذه الأحداث العاصفة حيث كان يفكر في بناء مرعى معزول وبعيد عن البلدة لكنه لم يتمكن من إكماله  فقام بتعيين شاب أصغر منه في العمر يدعى جيمس مارشال حتى يبني له مصنع خاص بنشر الأخشاب يقع بالقرب من النهر الأمريكي. وتلك الحادثة كانت قد جعلت من جيمس مارشال أول من أكتشف الذهب في المنطقة.

في صباح الـ 24 من يناير عام 1848م لاحظ مارشال وجود شيء يلمع فوق سطح القناة التي كان من المفترض بناء المنشرة فيها استدعت اهتمامه فكتب ملاحظة يذكر فيها:  ” لقد التقطت قطعتين اثارت اهتمامي فقمت باختبارهما ومن حسن الحظ أن لدي معلومات لابأس بها حول المعادن وأستطيع أن أؤكد لك أنه بأي حال من الأحوال لايمكن القول بأن تلك القطعتين عبارة عن حديد, فهما شديدتا اللمعان وهشة وحسب خبرتي فأن الذهب يمتاز بكونه ذو لمعان وقابل للتشكل” ثم قام مارشال بحشر القطعة بين صخرتين ووجد أنه من الممكن تغيير شكلها ولكن دون كسرها وتلك التجربة أكدت مصداقية كلامه.

بعد هذا قام مارشال بأخذ عدة قطع إلى السيد سكوت, النجار المسؤول على عمل المنشرة, وقال له:

لقد وجدته.

سكوت: ماذا وجدت؟

مارشال: الذهب.

بالنسبة لجون ستر نزل هذا الخبر عليه كالصاعقة وقد علم بأن مثل هذه الأخبار من الممكن أن تؤدي إلى تحطيم آماله في بناء المراعي النائية  لذا حاول التكتم على الخبر, لكن الرجال تحدثوا والشائعات بدأت تنتشر وبعد بضعة أسابيع قليلة كانت القصص تحاك حول عمال ستر وعن ثروتهم الوافرة من الذهب يشترون بها بضائع مختلفة من منطقة سويسرا الجديدة.

موزع وصاحب محل من سان فرانسيسكو يدعى صامويل برانان ذهب إلى المكان لرؤية الذهب بنفسه, عندما وجده وتأكد من صحة الشائعات كان أول عمل يقوم به هو فتح محل لبيع المؤون في المنطقة بعد ذلك قام بالعودة لسان فرانسيسكو وأرتدى أفضل مالديه من ملابس وقام بالسير في البلدة واضعاً فوق رأسه قارورة مليئة بالذهب صارخاً بأعلى صوته “ذهب ذهب ذهب” “ذهب من النهر الأمريكي”.

في الشهور القليلة التالية كانت الأمور قد تغيرت, الأخبار وصلت للساحل الشرقي في أغسطس. في ديسمبر قام الرئيس بولك بطلب للكونغرس من أجل  تلك الأخبار القادمة من كاليفورنيا وما اللذي ستتخذه الدولة حيال هذا الأمر.  ومنذ بداية العام  1849م بدأ المنقبون عن الذهب بالتوجه للولاية للبحث عنه “الجميع كان يسمع صدى يملأ أرجاء المكان بالكلمات ذاتها ذهب, ذهب, ذهب” أحدى الصحف تذكر ممتعضة ” بينما الأراضي تترك, والمنازل لا يكتمل بناءها وكل شيء هنا أصبح غير مكتمل بينما في الجهة الأخرى نرى تصنيع مجارف وفؤوس بكميات مهولة” .

منذ البداية عُرفت سان فرانسيسكو بخلوها من السكان خلال الليل والسبب لأن سكانها أصبحوا مهوسين بالذهاب لحقول الذهب ولكن الكثير ممن أتى خلال حقبة 49 (أي بعد عام 1849م) غيروا الكثير من معالم تلك البلدة, في يناير 1848م كان عدد سكانها لا يتجاوز 800 شخص ولكن بحلول العام 1850م أصبحوا تقريباً 25000 شخص معظمهم يقطن في الأكواخ والخيم. العديد من البحارة تركوا سفنهم أملاً في الحصول على الذهب وبالتالي تحولت سفنهم إلى مخازن ومحلات وفنادق صغيرة للنزول فيها بل أصبحت ايضاً سجون عائمة.

ثورة الذهب في كاليفورنيا تعد أعظم نزوح عرفته الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها وذلك بهجرة مايقارب 300000 شخص إلى الساحل الغربي في بضع سنوات فقط. مع بناء موانئ وسكك حديدية تلبي الأحتياجات الجديدة تحولت ولاية كاليفورنيا بين ليلة وضحاها إلى مكان آخر, مكان أقرب ما يكون إلى الحلم يراود فكر كل شخص يحلم بالثراء السريع فأصبحت تدعى بالولاية الذهبية.

القوانين الصارمة خلفت وراءها خاسرين في هذا الحلم أكثر من المنتصرين, القليل من المنقبين عن الذهب تحولوا إلى أغنياء بينما عشرات الألآف من الهنود الحمر قتلوا أما من قبل المهاجرين أو بسبب أمراض أصابتهم.

بالنسبة لجيمس مارشال مصنعه الخاص بالنشارة خسر وأنتهى به المطاف مفلساً, بينما جون ستر أصبحت “سويسرا الجديدة” مهجورة ومات مقهورا من رؤية أحلامه تتطاير من أمامه . هذه هو حال من اكتشفوا الذهب لم يساعدهم هذا الأكتشاف في أي شيء بل على العكس تماماً كان كاللعنة طاردتهم حتى مماتهم.

نشر بواسطة BBC History Magazine