الماء سر الحياة

 

tumblr_ojf066kfts1snegd3o1_1280

Tumblr

 

في الأسبوعين الماضيين اتممت قراءة كتاب “مستقبل الماء” للكاتب الفرنسي إريك أورسينا سأوجز في الأسطر القادمة بشكل مبسط أهم النقاط التي تناولها أورسينا عن هذا الموضوع.

أورسينا ظل مدة عامين يجوب العالم بغية دراسة الماء مستقبله وتأثير الأنحباس الحراري وتقلبات المناخ المختلفة عليه. في الفصل الأول تحدث عن الماء وعن تكوينه كمركب ناتج من اتحاد ذرتين هيدروجين مع ذرة أوكسيجين واستطرد في حديثه ليتكلم عن أهميته القصوى في حياتنا, وفي اعتقادي كلنا نعي اهمية هذا المورد الحيوي في حياتنا. إذن سأنتقل بسرعة لتلخيص أهم ماجاء في رحلات أورسينا. بدأ رحلته في أستراليا ولخص حال هذا البلد في جملة “استبداد البعد” نظراً لبعد القارة عن بقية بلدان العالم. أهم مشكلة تعاني منها أستراليا من ناحية الثروة المائية هي الجفاف ناهيك عن مناجمها والتي تخلف فضلات كبيرة وخطيرة تسبب أضراراً بالغة للبيئة ولمحاولة تقليل تلك الأضرار يتوجب عليهم غسلها بكميات كبيرة من الماء, سبعة ملايين لتر يومياً لمنجم نيومون وحده, إذن الطلب على الماء كبير جداً في بلاد الكنغر. دليل آخر على حالة الجفاف التي تعم البلاد بحيرة جورج أصبحت مرعى لقطعان الخراف تسرح فيها لتأكل من العشب النابت من الأرض التي كانت في يوماً ما قعر البحيرة, والجفاف أصبح يؤثر في الحالة النفسية للمزارعين بسبب قلة المباه التي تغذي أراضيهم فبالتالي يبدأ مصدر رزقهم الوحيد بالتلاشي فأصبح الحل الوحيد أمام الكثير منهم هو الأنتحار حيث ينتحر مزارع كل أربعة أيام, رقم مرعب. في سنغافورة الوضع مشابه نوعاً ما لأستراليا في حاجتها للمياه لكن الأمطار غزيرة هنا بمعدل 2,5 متر سنوياً بحكم موقعهم المتميز على خط الأستواء ومع ذلك يفتقرون إلى الماء لدرجة اعتمادهم على الجارة ماليزيا لكن حسب ما يدَعون هم لا يحبون الأعتماد على الآخرين لذلك العمل على قدم وساق في سنغافورة لمحاولة توفير الأحتياجات المائية للسكان. الكاتب أعلن اعجابه بالبلد وبالعمل الدؤوب الذي تقوم به في سعيها لتوفير المباه, ووصفها بوصف بليغ حين قال ” لا مناص للزائر الأوربي من أن يتساءل هل ما يزال على كوكبه. ربما وهو غارق في النوم , انتهزت سفينة فضائية الفرصة فحملته إلى مجرة أخرى”. الهند الوضع مختلف كلياً هنا الماء متوفر بكثرة, أمطار غزيرة دائماً ما تسبب في حدوث فيضانات, المياه ملوثة ومحملة بالأمراض هنا الخوف من وجود الماء أكبر من نقصه, وقد ذكر لكاتبنا طبيب هندي كان قد اجتمع معه للحديث عن هذه المشكلة فلخص الحال في جملة واحدة “نقص الماء يقتل, هذا أكيد, لكن نقص وسائل التطهير يقتل أكثر“. بنغلاديش تشبه جارتها السابقة في مشاكل التلوث والفيضانات لكن في هذا البلد تعطى لك دروس في الجغرافيا السياسية وكيفية تحكمها بحياة الشعوب فنهرا الغانج وبراهمابوترا لا تديرهما أي وكالة دولية, ومن هذا المنطلق أصبحت الهند تقرر مصير مياههما والصين كذلك تدلي بدلوها ولا يتبقى لبنغلاديش سوى بعض ما يترك لها من أمتار مكعبة, الوضع لم يقف عند هذا الحد فقد شيدت الهند سد فاراكا قبل الحدود مع بنغلاديش والنتيجة أن تلك المياه أعانت الفلاحين الهنود لكن بعد السد , أي في بنغلاديش, النهر لم يعد يسيل بل أصبح النهر غائصاً في الرمال. لم تكن المباه وحدها التي حُرمت منها بنغلاديش بفعل القوانين السياسية بل الأحجار أيضاً, فالهند عمدت على مد شباك في قعري نهر براهمابوتراو ورافد كوميارا لحبس الأحجار المنحدرة وحرمانهما من نقلهما إلى البلد الجار بنغلاديش. الصين ذلك التنين العظيم, مشكلتها مع المياه من نوع مختلف, وفرة الأمطار موجودة لكن إذا قسمت خريطة الصين من المنتصف لتصبح نصف شمالي ونصف جنوبي تجد أن النصف الشمالي لا يحظى سوى بـ17 في المئة من المياه, إذن تعاني الصين من الأمرين الفيضانات والجفاف كما يذكر مدير عام المياه في وزارة الموارد المائية الصينية بأن بلادنا ثرية بالماء لكن شعبنا بالغ العدد ومياهنا غير موزعة بعدالة في المكان والزمان وذكر جملة أعجبتني كثيراً حين قال “المناخ يتطور لكننا نتحمل جزءاً من المسؤولية, لقد قطعنا أشجار الغابات, وأفرغنا البحيرات وزرعنا مناطق رطبة. النتيجة تتوسع الأرض الجافة عاماً أثر عام”. أورسينا لم يتوقف عند تلك البلدان بل أكمل رحلته حول العالم لمعرفة مستقبل هذا الشريان الأساسي لحياتنا. اعتقد بعد قراءة الكتاب وقراءة الخلاصة التي توصل لها الكاتب وقناعاته السبع التي من خلالها يعتقد بأنها تضع الحلول لأزمة المياه تمثل أمامي أمر واحد لا جدال فيه , الماء موجود وبوفرة لكن المشكلة تكمن في انعدام المساواة في توزيع المياه واستحواذ بعض الدول على الوفير منها تاركةً الأخرين يقبعون في جفاف قاحل لا مصدر للماء فيه يروي عطشهم, وانعدام المساواة في توزيع مورد في أهمية الماء يوفر تربة خصبة لشتى أنواع النزاعات, الحق يقال, لا سيما عندما يكون عدد السكان في تزايد يومي مطرد. قبل أن أختم الحديث عن هذا الكتاب وردت معلومات بسيطة عن نهر جوليبا, ابحثوا عنه ستدهشون وتعجبون منه.

في اليومين الماضين دخلت في تحدي 31 يوماً مع أدريان لليوجا أو كما وصفته تحت مسمى الـ “Revolution” هي تقول أنها ليست مجرد حركات تؤديها لتنفيذ اليوجا ولكن هي رحلة سكينة وتأمل للنفس لمدة شهر, سأرى أن كان ما تقوله صحيحاً أم لا, خصوصاً أن تجربتي السابقة في اليوجا كانت خجولة ولم تكن بشكل مكثف, كنت أمارسها تقريباً مرة كل أسبوعين أو حتى ثلاثة في النادي قبل انتهائي اشتراكي هناك. انضموا معي في هذا التحدي أن أحببتم لنتشارك جميعاً فيما بعد في آرائنا حوله, اليوم سأودي التحدي الثالث.

قبل الختام فيدرير ونادال مرة أخرى يلتقيان في نهائي للجراند سلام, لا أذكر اخر نهائي جمع بينهما لكنه حتماً منذ فترة ليست بالبسيطة, العاشق للتنس والمتابع الجيد يجزم على أنه لم يوجد في تاريخ هذه اللعبة مثل عظمة تحد هذين اللاعبين أن لم تخني الذاكرة فقد تقابلا في ثمانية نهائيات للجراند سلام (ناهيك عن بطولات الماسترز) ويعتبر رقماً قياسياً للعبة لكن يظل عالقاً في ذاكرتي نهائي أستراليا المفتوحة 2009 حين تغلب نادال على فيدرير (للأسف أن الأحصائيات تؤكد علو كعب نادال في مواجهاته مع فيدرير) وبكى بعدها فيدرير بكاءً شديداً, الجميع أستغرب ردة فعل فيدرير خصوصاً أنها قِدمت من لاعب بحجمه حصل على بطولات كثيرة في الجراند سلام وعلى مقربة من تحطيم رقم سامبراس القياسي فيها لكن هذا البكاء كان له تفسير آخر, فيدرير أحس باليأس, باليأس من عدم تمكنه من هزيمة نادال أحس أن كل شيء بناه وأجتهد فيه قد يهدمه مضرب هذا اللاعب الماثل أمامه, الصدفة مرة أخرى تعود وفي نفس المكان, هل سيفعلها فيدرير غداً ويبدل تلك الدموع بابتسامة عريضة؟ أتمنى هذا.